مساحة إعلانية
بين جراح الفاشر ونزيف غزة، تتوحد قصص الألم الإنساني في مشهد مأساوي يشهد على صمت العالم وتواطؤه. من أقصى غرب السودان إلى شرق المتوسط، تتكرر ذات المعاناة، وتتشابه الوجوه المنكسرة للأطفال الذين سُرقت منهم طفولتهم، والأمهات اللواتي فقدن فلذات أكبادهن.
عندما يتحدث الدم بلغة واحدة
في الفاشر، حيث تحولت المدينة التي كانت تنبض بالحياة إلى ساحة حرب مفتوحة، يسقط المدنيون كل يوم ضحايا صراع لا ناقة لهم فيه ولا جمل. البيوت تتهاوى، المستشفيات تُستهدف، والنازحون يهيمون على وجوههم بحثاً عن ملاذ آمن لا يجدونه.
وفي غزة، لا يختلف المشهد كثيراً. القصف المتواصل، الحصار الخانق، والأطفال الذين يُنتشلون من تحت الأنقاض. غزة التي تحولت إلى أكبر مقبرة مفتوحة للبراءة، حيث الموت يطرق الأبواب في كل لحظة دون استئذان.
الإنسانية المغيّبة
ما يوحد الفاشر وغزة ليس فقط المأساة، بل صمت المجتمع الدولي الذي يكيل بمكيالين. حقوق الإنسان التي يتشدقون بها في المحافل الدولية تسقط عند أول اختبار حقيقي. القرارات الأممية تصبح حبراً على ورق، والوعود الإنسانية تتبخر أمام المصالح السياسية والاقتصادية.
نرى العالم يتحرك بسرعة لإغاثة كوارث طبيعية، بينما يغض الطرف عن كوارث إنسانية مصنوعة بأيدي البشر. أين المنظمات الحقوقية؟ أين الضمير العالمي؟ أين الذين يدّعون الدفاع عن القيم الإنسانية؟
قصص لا تُنسى
في الفاشر، التقيت بأم فقدت أبناءها الثلاثة في قصف عشوائي. كانت تحمل صورهم بيد مرتعشة وتقول: "كانوا يحلمون بمستقبل أفضل، والآن هم تحت التراب".
ومن غزة، تصلنا قصة الطفلة سلمى التي فقدت ساقيها وعائلتها بأكملها، لكنها لا تزال تسأل: "متى سأعود للمدرسة؟" في براءتها المطلقة، لا تدرك أن المدرسة نفسها تحولت إلى ركام.
المقاومة بالأمل
رغم كل هذا الألم، يظل الأمل حياً في قلوب هؤلاء الناس. في الفاشر، لا تزال النساء يخبزن الخبز للجيران في ظل القصف. في غزة، لا يزال المعلمون يحاولون تعليم الأطفال بين الأنقاض. هذا هو الوجه الحقيقي للمقاومة: مقاومة اليأس، مقاومة الاستسلام، مقاومة أن تسرق الحرب منا إنسانيتنا.
نداء للضمير الحي
إلى كل صاحب ضمير حي في هذا العالم: الفاشر وغزة ليستا مجرد عناوين في نشرات الأخبار. هما أرواح حية، أحلام محطمة، ومستقبل مسروق. لا يمكننا أن نظل صامتين بينما تُرتكب هذه الجرائم باسم السياسة أو المصالح.
الكتابة عن الألم لا تكفي، والتعاطف وحده لا يغير واقعاً. نحتاج إلى ضغط حقيقي، إلى مساءلة دولية، إلى وقف فوري لكل أشكال العنف ضد المدنيين. نحتاج إلى أن نعيد الإنسانية إلى مكانها الصحيح في قلب السياسة الدولية.
من الفاشر إلى غزة، من السودان إلى فلسطين، القصة واحدة والدم واحد. يا قلبي احزن لأن الإنسانية تُذبح على مذبح المصالح، ولكن لا تيأس، فطالما بقي في القلوب نبض، وفي العيون بريق أمل، فإن فجر السلام آتٍ لا محالة.
السؤال ليس متى ينتهي هذا الظلم، بل كيف سيحاسبنا التاريخ على صمتنا أمامه؟