مساحة إعلانية

مساحة إعلانية

منبر

الرأي الحر

صابر جمعه سكر يكتب : العلم والحرية… طريق الأمم إلى التحضّر لا التمدين

2025-10-27 14:57:34 - 
صابر جمعه سكر يكتب : العلم والحرية… طريق الأمم إلى التحضّر لا التمدين
صابر سكر

بين مظهرٍ مزيَّف وجوهرٍ مبدع… كيف تفرّق الشعوب بين التقليد والتقدّم الحقيقي؟
في زمنٍ تتسارع فيه الخطى وتتبدّل فيه ملامح العالم، تظنّ كثير من الشعوب أن طريق النهضة يبدأ من الغرب: من لغته، ولباسه، ومظاهر حياته. غير أن الحقيقة أعمق من ذلك بكثير؛ فجوهر التحضّر لا يُقاس بكمّ ما نستهلكه من منتجات الحضارة، بل بقدرتنا على الإبداع وصناعة المعرفة والحرية.
لقد انخدعت بعض القيادات في العالم النامي بتصوّرٍ سطحيّ للتقدّم، فخلطت بين التمدين والتحضّر.
التمدين هو أن نحسن استهلاك منجزات غيرنا من تكنولوجيا ومبانٍ وأزياء ، بينما التحضّر هو أن نكون نحن صنّاع الفكرة والمنتج والمعرفة التي يحتاجها الآخرون.
وهذا هو الفارق بين المستهلك والمبدع، وبين المقلّد وصانع الأثر.
ولعلّ التاريخ يقدم لنا مثالًا صارخًا على هذا الخلط، حين حاول بطرس الأكبر، قيصر روسيا، أن يجعل شعبه شبيهًا بالأوروبيين ظنًّا منه أن التشابه في الشكل سيجلب التقدّم.
فأصدر أوامره بحلق لحى النبلاء والعامة بالقوة، معتبرًا أن اللحية هي ما يميّز الروس عن الأوروبيين.
لكن بعد أن أتمّ ما أراد، لم يجد في بلاده أثرًا لحضارة حقيقية؛ لأن الحضارة لا تُزرع بالمقصّ ولا تُفرض بالقهر، بل تُبنى بالفكر والعلم والإرادة.
إن الأمم لا ترتقي بالبنايات العالية ولا بالجسور الممتدة ولا بالأزياء البراقة، بل بالعلم الذي ينهض بها، وبالحرية التي تطلق طاقات أبنائها، وبالقيم التي تحفظ هويتها.
فاستيراد القيم من الخارج لا يخلق سوى صراعٍ داخلي، والعيش بلا قيم يورث الضياع والانهيار.
التحضّر الحقيقي يبدأ حين نصنع نحن ما يحتاجه العالم، لا حين نعيش على ما يصنعه الآخرون.
ولذلك لم يكن التغريب الذي فهمه بطرس الأكبر إلا طريقًا إلى التيه، بينما كانت الحرية التي فهمها العلماء والمصلحون هي الشرارة الأولى لنهضة كل أمة.
إنها معادلة بسيطة وعميقة في آنٍ واحد:
بالعلم تُبنى القوة، وبالحرية تُصان الكرامة، وبالقيم تُحفَظ الهوية.

مساحة إعلانية