مساحة إعلانية

مساحة إعلانية

منبر

الرأي الحر

محمد دياب يكتب : البكالوريا

2025-01-16 19:12:35 -  تحديث:  2025-01-16 19:13:05 - 
محمد دياب يكتب : البكالوريا
محمد دياب

عندما نسمع كلمة "البكالوريا" تقفز أذهاننا فوراً إلى أفلام الزمن الجميل حيث فاتن حمامة وأنور وجدي وحقبة الملك فاروق التي ارتبطت بالطربوش وعزبة حيدر باشا ورستم بك. تلك الكلمة التي تحمل أصلاً لاتينياً أصبحت رمزاً لإثارة الحنين إلى الماضي لكنها في الوقت ذاته تثير تساؤلاً هاماً: هل عجزت اللغة العربية بكل ثرائها عن إيجاد مصطلح يعبر عن المرحلة الثانوية ؟
وزارة التربية والتعليم التي تُعد من أهم الوزارات في أي دولة تعاني من مشكلة التغيير المستمر دون رؤية استراتيجية واضحة. كل وزير جديد يلغي ما قام به سلفه ويأتي بمشروعات تبدو وكأنها تجارب عشوائية. أحدهم يُدخل التابلت والآخر يُطبق نظام البوكليت وآخر يلغي الصف السادس الابتدائي ليعود بعده وزير يعيده من جديد. قرارات تتوالى دون دراسة عميقة أو نظرة شاملة للمستقبل.
لكن الحقيقة التي يجب أن ندركها أن المشكلة ليست في المسميات أو الأنظمة التي يتم تطبيقها بل في الجوهر الأساسي للعملية التعليمية. نحن بحاجة إلى تغيير جذري يبدأ بالاهتمام بالمعلم لأنه عماد التعليم وصانع الأجيال. كيف نتوقع منه أن يقدم أداءً متميزاً ونحن لا نوفر له الدعم اللازم سواء من حيث تحسين راتبه أو توفير برامج تدريبية تواكب تطورات العصر؟
القضية الأكبر هي غياب الرؤية الواضحة للتعليم كمشروع قومي متكامل. عندما نضع التعليم كقضية أمن قومي وأولوية وطنية قصوى سنرى تغييرات حقيقية تنعكس على الأجيال والمجتمع بأسره. فالإنسان الذي لا يتم تعليمه وتثقيفه سيظل أداة هدم مهما حاولنا بناء الحجر قبله. الجهل ليس مجرد نقص في المعلومات بل هو كارثة تُهدد استقرار المجتمعات وتُعيق تقدمها.
أما عن المدارس فهي بحاجة ماسة إلى تطوير البنية التحتية والمقومات التعليمية لتوفير بيئة تليق بالطالب والمعلم. كيف نتحدث عن تطوير التعليم وهناك مدارس تفتقر إلى أبسط مقومات البيئة التعليمية التي تشجع على الإبداع والتعلم؟
والمقررات الدراسية رغم محاولات التحديث ما زالت تُعاني من "الحشو" المبالغ فيه الذي يحول التعليم إلى عبء ثقيل بدلاً من أن يكون أداة للتحفيز والإبداع. المناهج تتكرر بشكل ممل من مرحلة لأخرى كأنها تدور في دائرة مغلقة لا تخرج عن الإطار التقليدي مما يفقد الطالب شغفه بالتعلم. الكتب المدرسية التي يُفترض أن تكون القاعدة الأساسية في بناء العقل لا تثير الفضول ولا تشجع على التفكير النقدي بينما يلجأ الطالب إلى الكتب الخارجية التي تقدّم المعلومة بشكل مباشر وواضح مما يعكس أزمة حقيقية في القدرة على تطوير المحتوى التعليمي بما يتناسب مع تطورات العصر واحتياجات الطلاب.
التعليم ليس ترفاً بل هو جوهر بناء الأمم ومصير الأجيال. إذا أردنا أن ننهض بوطننا يجب أن نبدأ بتعليم الإنسان قبل الحجر لأن بناء الإنسان هو أساس كل تقدم. عندما نتجاهل التعليم نزرع الجهل ونقتل طموح الأجيال القادمة. بينما نناقش مصطلحات مستوردة يعاني أبناؤنا للحصول على حقهم في تعليم حقيقي. إذا لم نُحدث التغيير الجذري الآن فمتى؟ بناء الإنسان هو ما يصنع الأوطان،ولن يُغفر لنا إذا فشلنا في منح أجيالنا الأمل في المستقبل.

مساحة إعلانية