مساحة إعلانية

مساحة إعلانية

منبر

المبدعون

الانزياح الجمالي في الشعر .. تحقيق: مصطفى علي عمار

2025-11-15 12:03 AM - 
الانزياح الجمالي في الشعر .. تحقيق: مصطفى علي عمار
مصطفي عمار
منبر

الانزياح الجمالي في الشعر ظاهرة فنية وجميلة، حيث يبتعد الشاعر عن الأساليب التقليدية ويستخدم أساليب جديدة ومبتكرة لتعزيز جمالية القصيدة. في الشعر العربي المعاصر، تشكلت أنساق جمالية سائدة تأثرت بالذائقة الكلاسيكية والرومانسية والحداثية، وظهرت أنساق جديدة تخرج بالقصيدة عما ألفناه على مدى قرون.
 مما يفرض سؤالا عن مدى تأثير هذه الأنساق على القصيدة العربية المعاصرة.

الواقع يقول إن الصورة الشعرية الرمزية والأسطورية ما تزال تحتل مكانة مهمة في الشعر العربي المعاصر، حيث يمكن أن تعزز من جمالية القصيدة وتضيف عمقًا لها، وأيضًا هناك عودة إلى الصور اليومية الواقعية، التي تعكس تجربة الشاعر وتواصله مع القراء.

عوامل كثيرة أثرت اليوم في جمالية الشعر، أبرزها أن النشر الإلكتروني ومنصات التواصل الاجتماعي غيرت معايير الذوق الجمالي الشعري، حيث أصبحت القصيدة القصيرة القابلة للانتشار أكثر شيوعًا. ومع ذلك، يظل السؤال عن تأثير ذلك على العمق الجمالي والتجريبي للقصيدة قائمًا.

في محاولة منا لنفهم بشكل أفضل الانزياح الجمالي في الشعر العربي المعاصر وتأثيره على القصيدة والشاعر والقارئ. التقينا ببعض شعراء الوطن العربي وطرحنا عليهم هذه الأسئلة:

كيف تشكّلت الأنساق الجمالية السائدة في القصيدة العربية المعاصرة؟، هل لا تزال القصيدة العربية المعاصرة واقعة تحت تأثير الذائقة الكلاسيكية/الرومانسية/الحداثية؟
 وما مدى حضور الصورة الشعرية الرمزية مقارنة بالصور اليومية الواقعية؟ وهل تميل الذائقة السائدة إلى تمجيد "الغموض والتجريد"، أم هناك عودة إلى "الوضوح والتواصل"؟ وكيف غيّر النشر الإلكتروني ومنصات التواصل الاجتماعي في معايير الذوق الجمالي الشعري؟
وهل الانحياز إلى "القصيدة القصيرة القابلة للانتشار" أثر على العمق الجمالي والتجريبي؟
و هل همشت القصيدة العمودية أو قصيدة التفعيلة لصالح قصيدة النثر، أم أن المسألة أعقد من ذلك؟

★ابتدرنا شاعر الواو الشاعر والباحث  عبد الستار سليم بقوله:


 نعلم أن الشعر له ركيزتان هما الإحساس الصادق ، والتعبير الجميل ، والأنساق الجمالية فى القصيدة العربية هى الأبنية الصياغية  ومكنوناتها الجمالية ، و كذلك  ظواهر الايقاع الداخلي والخارجى  ، والتجربة الشعرية التي  أثرت في  الشاعر  واختُزنت في وجدانه ،  وبالتالي عبر عنها في شعره ،  وقد كانت المجتمعات القديمة  مليئة بالكثير من  الأحداث والوقائع  الثقافية والاجتماعية ، وقد أفرزت هذه  المؤثرات المجتمعية - على سبيل المثال - ظاهرة الشعراء الصعاليك ، الذين تأثرت مكنوناتهم  اجتماعيا وثقافيا  وبلاغيا ونفسيا ببيئتهم تلك 
فقد تأثروا ، وأثروا فى تلك البيئة زمانيا و مكانيا ، كذلك من هذه الأنساق نجد  الصورة الشعرية ، وهى تساعد  في فهم أعمق للنص الشعرى ، وكيفية تأثير  عناصره المختلفة  في إحداث التأثير الجمالي المرغوب ،  كما تساهم  في الكشف عن  الأبعاد الثقافية  والاجتماعية  التي يعكسها النص ، وكيفية تفاعله مع السياق التاريخي  والاجتماعي الذى أُنتج فيه 

يضيف: كما تساعد  الصورة الشعرية في تطوير  مهارات القراءة النقدية ، وتحليل النصوص  الأدبية ، وتعميق الوعى  بأهمية  اللغة والجمال  فى التعبير  عن الأفكار ..
فقد كانت  في قصيدة  العصر الجاهلي العربية القديمة تركز على قيم الفروسية والشجاعة  والرجولة ، واستخدام الصور المناسبة لهذا الجو الشعرى مثل استخدام الإبل والخيل واستخدام السيف والرمح والخنجر ، ثم تطورت  فى العصور التالية  وأصبحت أكثر تنوعا ، مع التركيز  على الأبعاد الفلسفية  والروحية ، واستخدام صور الطبيعة للتعبير  عن المشاعر والأحاسيس ، أما في العصر الحديث فتجاوزت  هذه الأشكال  التقليدية  لتتمكن من التعبير عن الواقع المعاصر ، وتدور حول تجربة الانسان الحديث ، في استخدامه لغةً  أكثر  حداثة وتجريدا ، تتجاوز  مجرد البنية اللغوية ، لتشمل  الأسلوب البلاغى  و الصورة الشعرية والإيقاع ، وصولا إلى الأبعاد الثقافية  والاجتماعية التي يعكسها النص ، والمعجم الشعرى الذى يشمل الألفاظ والتراكيب التي يستخدمها  الشاعر. ومدى قدرتها على  التعبير عن المعنى ، وإثارة المشاعر 
إن المبدع - بشكل عام -  هو ابن بيئته ،  يتأثر بهذه البيئة التي يعيش فيها ، وبالتالي فإن شعره  يعكس هذه البيئة بكل ما فيه من قيم  وعادات  وتقاليد، ومؤثرات اجتماعية وثقافية ، فالشاعر ليس مجرد كاتب ، بل هو يهضم مفردات هذه البيئة ثم يفرزها  بطريقته  وبصوته الخاص

★ويوضح الشاعر والناقد د. علاء جانب عميد كلية اللغة العربية بالقاهرة 


أن الصورة الرمزية التي تعيد إنتاج الأسطورة أمر متحقق في الشعر ومتجذر فيه من القصيدة الأولى في الشعر العربي..
وقد تتبع المرحوم الدكتور وهب رومية التفسيرات الأسطورية للشعر الجاهلي 
فهناك أسطورة الطائر الذي يزقزق فوق قبر القتيل ويسمى الهامة أو الصدى  يظهر فوق القبر بالليل ويقول اسقوني اسقوني ولا يكف عن ذلك إلا بأخذ الثأر… وهذا يفسر لك طول زمان الحروب حتى أنها كانت تمتد لأربعين سنة

وتحدث كمال ابو ديب عن صراع الموت والحياة المتمثل في صراع الناقة والهر كما جاء في قصيدة المثقب العبدي المشهورة 
أفاطم قبل بينك متعيني..
والدكتور على البطل رأى المرأة متمثلة في الشمس...
تناول بعض النقاد كالمرحوم الدكتور زكريا النوتي أسماء النساء في مطالع القصائد وقال إنها رموز لمعانيها...

وهو مسبوق في هذا بكلام قيم للدكتور وهب رومية في كتابه شعرنا القديم والنقد الجديد.. 

ويفسر تعبير القصيدة الجاهلية عن قضايا تمس الإنسان في جوهره من خلال هذه الرموز
فيناقش قضية وحدة القصيدة وفك رموزها وقضايا الموت والحياة ومشكلة الانتماء والهوية وغير ذلك..
ولا يستطيع أحد أن يقول إن التفكير الرامز في الشعر هو خاصية أصيلة حتى في اليومي والعادي..

يضيف: ولكن هذا الطرح لا يستطيعه المتلقي العادي لذلك نقول إن الشعر مستويات في كتابته وقراءته فالقارئ المتحقق المثقف يجد متعة في الغموض الذي يحرك الذهن والعاطفة ويدفع إلى الفعل والتفكير ..
والقارئ العادي يقف عند السطح يأخذ ما يأتيه من السمك شراء ولا يستمتع بلذة الصيد..

القارئ المعاصر يهرب من الفخامة والتقليدية والتفكير العميق ويميل إلى اليومي والعادي مثل الوجبات السريعة.. ومثل الجينز والملابس المتحررة من ربقة ربطات العنق والتهذيب المتصنع..

لذا يحضر في جيل الشباب الشعراء حكي اليومي والعادي حتى في الألفاظ يجددون تفصيح الألفاظ التي أصبحت عامية..

والحق أن الشعر لا يستغني عن كليهما فالأسطورة والرمز تنويعات تعيد نفسها وتتشكل مرة في أحجية شعبية ومرة في قصيدة غاية في الكلاسيكية ..

صحيح أن الإسلام الحنيف أجاب لنا عن الأسئلة المتعلقة بالحياة والحياة الأخرى.. مما قلص من وجود الأسطورة بشكل يمكن معه أن نعتقد صحتها .. ولكن ما زال للأسطورة والرمز حضور في الشعر، غير أن القارئ المعاصر كما أشرنا يمل من المكرر والمصطنع والمتكلف.. 

فالشعر المعتمد على الأسطورة والرمز يحتاج إلى قاريء مثقف وشاعر مثقف ، وشعر اليومي والعادي يحتاج قارئا يبحث عن المتعة فقط.. وقد يصبح ما هو عادي اليوم أسطوري غدا وما كان بالأمس أسطورة يصبح عاديا ..
إنه جدل الكتابة والقراءة والإبداع والتلقي والشاعر والقارئ..

★ومن إقليم كردستان العراق يرى الشاعر الكردي اسماعيل خوشناو 

انه ‏بصورة عامة منصات التواصل الاجتماعي قرّبت المسافات بين الخاصة والعامة في جميع جوانب الثقافة وبالاخص الادب بشعره ونثره فمن هذه الناحية استفاد الكثيرون ممن يحبون الادب بنوعيه من اهل العلم والمعرفة بالادب فانار بعض من الخاصة لهم طريق تعلم ما يرغبون به بشكل صحيح وعلمي 

يضيف: ومن جانب اخر فتحت منصات التواصل ابوابها لاهل الغرور ايضا فنشروا ما يرونه صحيحا ولا يرضون من المقابل الا بالتصفيق و الثناء وحتى أن بينهم من يقيّم نصوص الاخرين بدون علم بذلك ويشرح من خلال نص الاخرين جوانب من علم العروض والنحو والبلاغة من غير ان يكون على دراية  بهذه العلوم ، لذلك اصبحت المنصات عالما  بوجهين وجه يسرك ويبشر بالاخير ووجه ممل يزعجك ومع كل ذلك على العاقل ان يستفيد من ذاك ومن ذاك فيُغني معجمه الادبي و يخطو بمستواه الى الافضل مع الاول وياخذ العبر من الثاني الذي بقي ثابتا في مكانه ليس له الا اخطاء يفتخر بها.

يوضح: ‏ وبالنسبة للقصيدة القصيرة غير المقطوعة برأي النص الجميل يجذب القارئ لاكمال قراءته قصيرا كان النص او طويلا وحتى لو كان النص الجميل قصيرا فالمقابل في انتظار ما سيكون له من جديد والاستمرار بمثابة طول لنصه ومسيرته الشعرية . لا شك بان الفضاء واسع ومفتوح للجميع ونشر النصوص الصحيحة ولو كان النص قصيرا اولى من نشر نصوص طويلة مليئة بالأخطاء فيُصرّ صاحبه على البقاء على اخطائه ويدعي صحتها . لاشك بان اللغة العربية لها جمالها المميز بشعرها ونثرها حيث ترتاح لسماعها الاذان من خلال الموسيقى المطلقة الموجودة في قصائدها حيث تطير لسماعها قلوب اي كانت لغتهم فلذلك على الخاصة واعلام هذه اللغة بشعرها ونثرها التواجد والحضور بين عشاق هذه اللغة وتسهيل طريق الوصول اليها كي يبقى جمال الادب والشعر على صفائه ونقائه الذي كان عليه مستمرا ويستمر الذوق الموسيقى الشعري السليم والمتناسق مع الروح. 
‏                   
★ وعن مدى تهميش القصيدة العمودية أمام قصيدة النثر يرى الشاعر الشاب المصري عصام سامي 

               أن المسألة أعقد من ذلك ، فهناك محاولات مستمرة لتغير الذائقة الأدبية لدي المتلقي عن طريق فتح الأبواب على مصراعيها أمام ما يعرف بقصيدة النثر ،  والتي لا تمت إلي الشعر بصلة ، وذلك لأنها تفتقد أبسط قواعد وأبجديات الشعر من وزن وقافية وخلافه ، هذا في المجمل ، أما مسألة تهميش قصيدة التفعيلة والقصيدة العمودية لصالح قصيدة النثر فهو أمر يحتاج لشرح بعض التفاصيل لأن الأدب بصفة عامة هناك محاولة لتهميشه سواء بشكل متعمد أو غير متعمد وأسباب التهميش كثيرة لا يتسع المجال لذكرها ، نعود لقصيدة النثر التي أتصور أنها لن تصمد في مواجهة الزمان ، فهي أشبه بقفزة في الفراغ ، وطبعا قد يعتقد البعض أنني ضدها بهذا الطرح وهذا الأمر ليس صحيحا في جزء منه ، فأنا ضد الخلط الحادث في المسمى ، وضد وصفها بالشعر فهي نثر ، وقد يكون جيد وقد يكون غير جيد  ، وهي لا تستطيع مجابهة قصيدة التفعيلة والقصيدة العمودية ،مهما حاولوا كتابها الترويج لها
وطبعا كتاب قصيدة النثر الزمن تجاوز قصيدة التفعيلة والقصيدة العمودية ، ويجب أن يكون هناك تجديد ، والتجديد عزيزي القارئ يكون علي مستوى الصور الشعرية والتراكيب وغير ذلك ، ولا يكون عن طريق التخلص من القواعد
 
★ويختم التحقيق المحامي والشاعر ابن الشرقية رضا أبو الغيط بقوله: 


أن القصيدة العربية المعاصرة قد تأثرت بمجموعة كبير  من الأنماط والتيارات الأدبية المختلفة ، بما في ذلك القصيدة  الكلاسيكية، وقصيدة التفعيلة ، وما يسمى بقصيدة النثر أو الحداثة . 
وهذه الأنماط والتيارات تركت بصماتها  بالتأكيد على الشعر العربي، حيث نجد أن هناك  بعض الشعراء ما زالوا يستلهمون من التقاليد الكلاسيكية في بناء القصيدة واللغة الشعرية وكذلك الصور الشعرية ، بينما يميل البعض الآخر  إلى التجديد والابتعاد عن القوالب التقليدية، متأثرين في ذلك بالحداثة وما بعدها ( النماذج المستوردة من الغرب ). 
وفي النهاية يمكن القول بأن القصيدة العربية المعاصرة جمعت بين الأصالة والعمق وبين  المعاصرة وتقليد الغرب ،  وذلك بحجة التجديد التجريب والابتكار.

 وعن دور المؤسسات الثقافية يضيف:
فالمؤسسات الثقافية في الدول العربية  تلعب دورًا هامًا في تشكيل الحياة  الأدبية والتذوق الأدبي  وتحديد ما يُعتبر جيدًا أو مبتكرًا. وذلك عن طريق عمل المسابقات الأدبية في نوادي الأدب أو المكتبات الثقافية وتخصيص جوائز لهذه المسابقات الأدبية، وبدور  يمكن لها أن تسلط الضوء على أعمال معينة سواء كانت أعمال تقليدية أو حداثية وتشجع على اتباع نمط معين في الكتابة وتقوم بنشر الاعمال الفائزة وتسليط الضوء عليها عن طريق حلقات النقاش الأدبي. وكذلك النشر والإعلام يؤثران على ما يصل جمهور الشعر، ويمكن أن يشكلا الرأي العام العربي حول ما هو مقبول أو مرغوب في الشعر.
وهناك  بعض الشعراء قد يركزون على الشكل على حساب المعنى أو العكس، اعتمادًا على رؤيتهم الفنية والرسائل التي يريدون إيصالها.
وبذلك يكون للمؤسسات الثقافية دور في تغليب نوع من الشعر على الآخر

  وعن حضور الصورة الشعرية يقول: الصورة الشعرية الرمزية والأسطورية ما زالت حاضرة بقوة في الشعر العربي المعاصر، والقصيده التي تخلو من الصورة الشعرية تعتبر قصيدة فقيرة لأنها فقدت عنصر مهم من عناصر القصيدة 
فهناك بعض الشعراء يستلهمون الصورة الشعرية  من التراث ويحاولون ربطه بالواقع المعاصر. وهناك فريق اخر من الشعراء يحاول  استخدام الصور اليومية الواقعية، وبصفة خاصة عند الشعراء الذين يركزون على القضايا الاجتماعية والسياسية المعاصرة ويظهر ذلك عند شعراء العامية تحديدا . 
وهناك فريق ثالث من الشعراء يميل  إلى تمجيد الغموض والتجريد عن طريق الصورة الرمزية ، وللأسف هذا الفريق يخاطب مجموعة قليلة جدا من جمهور الشعر  

 وينهي كلامه بعلاقة القصيدة العمودية وقصيدة التفعيلة بقصيدة النثر قائلا:
المسألة هنا ليست بالأمر السهل فما يسمى بقصيدة النثر يروج لها بعض الشعراء انها خلاصة الخلاصة كما يدعون في حين انها ليست لها جمهور الا كتابها فهناك عدد كبير من الشعراء والنقاد لا يعترف بهذا الجنس الأدبي ويعتبرونه تشويه للشعر حيث يفتقد الا عناصر كثيرة من عناصر القصيدة وأولها وأهمها الوزن  .
 ورغم ذلك ستظل القصيدة العمودية وقصيدة التفعيلة  محتفظان بمكانتهما  الأدبية واحترامهما من الجميع 
وفي النهاية  يمكن القول إن الشعراء المعاصرين لديهم حرية أكبر في الاختيار بين الأشكال الشعرية .
فلا يمكن القول إن هناك تهميشًا تامًا للقصيدة العمودية أو قصيدة التفعيلة، بل  هناك تنوعًا وتعددًا في الأساليب الشعرية.
والحكم في النهاية للجمهور ومتذوقي الشعر والأدب بصفة عامة

مساحة إعلانية