مساحة إعلانية
الكاتبة والبحث عن ذاتها
يندرج كتاب “المرأة التي أسكنها” للكاتبة السورية المهاجرة فيروز مخول في مؤلفات السَّرد النسوي، ذلك أنَّ الكاتبة فيروز جعلت من المرأة/ نفسها وعالمها عنصرًا رئيسًا في بناء النص، ومكونًا أساسيًا للسَّرد إذ جاء حضورها فيه حضورًا فاعلاً ومؤثِّرًا، وعبرت بقدرة فائقة عن ذاتها حتى وصلت إلى مرحلة البوح بمكنونها والتعبير عن شجونها وشؤونها الخاصة المختلفة ذات العلاقة بمحيطها الاجتماعي والوطني، فكانت فيروز في هذا العمل الأدبي المرأة المنتجة للخطاب السَّردي الداخلي والمستحوذة على إنتاجه.
ولمّا كنت أفضل الولوج إلى العمل الأدبي من عتباته (الغلاف الأولي والخلقي والعنوان والمقتبس الموجود على الغلاف الخلفي) فإنني سأبدأ –هنا- بها ذلك أنّها تمثل بوابة النص فتدل على محتواه وتقوم بإغراء الجمهور المقصود بقراءته.
ووقوفًا عند الغلاف الأولي أول العتبات تكشف لنا الكاتبة أمرًا مهمًا وهو البحث عن ذاتها، وتجعل أنثى ثانية تنوب عنها في الغلاف لتعبّر عن ذاتها، فنراها تقف أمام المرآة ترى ذاتها وتواجهها، وأظنها تتحداها، ويظهر التحدي واضحًا بمقابلة كفها الأيسر لكف الذات -المرأة التي تسكنها- الأيمن، كما أنَّها تتشبّث بيدها اليمنى بملابس الذات في المرآة وكأنها تخبرها بأنك لن تفلتي مني، أو أنت من أبحث عنها، والواضح في صورة الذات في المرآة أنّ لا يد يمنى تظهر فيها؛ ولعل في ذلك إشارة إلى كونهما شخصًا واحدًا، ويبدو أنَّ درجة حالة التأمل كبيرة لدى الفتاة وذاتها. كما يبدو أنّ المرأة الواقفة قد تجردت من أنوثتها نتيجة القسوة وضغوطات الحياة والغربة والظروف التي مرت بها، وما يؤكد ذلك عتبة العنوان “المرأة التي أسكنها”،ومضامين نصوص الكتاب.
ويظهر في صورة الغلاف الأولي والخلفي بعض الأشياء المتناثرة في فضاء الغلافين (قطع بيضاء وبعض الأشياء المتكسرة على الأرض) الأمر الذي يشير إلى تصدعات كثيرة اعتملت في نفس المرأة التي تبحث عن ذاتها، ولعلَّ تلك التصدعات والانكسارات جاءت نتيجة الزمن وفعله في ذات المرأة.
ويبدو لي على الجانب الأيسر من الغلاف الخلفي أنّ جسدًا غير واضح المعالم، يقف أمام تراكمات متكدسة وعلى ظهره شيء منها، وأستطيع أن أقول –هنا- إنّ ثنائية ضدية تربط بين الجسد المبهم المثقل بكل ما حوله والفتاة التي تقف أمام المرآة والواضحة في الرسم والتقسيمات، ولا شك أنَّ التضاد في مضمون الغلاف جاء معبّرًا عن التوتر الذي يسيطر على الكاتبة نتيجة الفقد والغربة والاغتراب، كما جاء كاشفًا عن قدرة مصمم الغلاف بالتعاون مع الكاتبة في جعل المتلقي يشعر بالدهشة عندما يتأمل الرسم المعبر الذي يعتلي صفحة الغلاف، فيلحظ مفارقة بديعة بين العناصر التي تبدو منفصلة لكنها تتعاون لتكمل كينونة الغلاف من خلال علاقة الضد بالضد.
