مساحة إعلانية
لم يتكلم توت عنخ آمون كثيرًا في حياته القصيرة، لكن قبره تكلم بعد موته بألف عام.
لم يكتب سطورًا على جدران الذاكرة، لكن ذهبه أنطق التاريخ من جديد. لم يقل شيئًا... ومع ذلك، قال كل شيء. لو نطق الملك الطفل من تابوته الذهبي، لربما قال لنا: "ما أغرب أن تموت صغيرًا لتعيش أبديًا!"
فهو لم يخض حروبًا كتحتمس، ولم يبنِ معابد كرمسيس، ولم يسنّ قوانين كأمنحتب،
ومع ذلك، صار وجهه رمزًا للحضارة ذاتها، ومرآة للخلود المصري القديم.
ما لم يقله توت عنخ آمون، هو أن المجد لا يحتاج عمرًا طويلًا، بل لحظة واحدة يصدق فيها الإنسان مع نفسه. أن الأبدية لا تُصنع بالسنوات، بل بالدهشة التي يتركها المرء في العيون بعد رحيله. لو تحدث إلينا اليوم، لربما عاتبنا قائلًا:
" ليس كنزي في الذهب، بل كنزي الحقيقي في الدهشة التي أودعتها فيكم؟ .
لماذا تنحنون أمام قناعي ولا تنصتون لروح وطني التي تحيا خلف النقوش؟"
كان سيقول إن الحضارة ليست حجارة، بل إنسانًا آمن بأن روحه تشرق بعد موته.
كان سيهمس:
"أنا لست آخر الفراعنة، بل أول من أعاد صدى الخلود في قلوبكم."
ما لم يقله توت عنخ آمون هو أن الموت لم يكن نهاية، بل كان بداية حوار بين الزمان والدهشة. وأن الجسد وإن سكن الصندوق الذهبي، فإن الروح كانت تفتح عينيها كل يوم مع شروق الشمس فوق طيبة.
فيا ابن الشمس،
يا من حملت سرّ الأبدية دون أن تدري،
ما زال العالم يزاحم ليقترب من ظلّك،
وما زال صوتك الصامت يذكّرنا:
أن الإنسان قد يرحل، لكن أثره... هو الذي يحكم الخلود.