مساحة إعلانية

مساحة إعلانية

منبر

الرأي الحر

صابر سكر يكتب : حين تفقد البيوت دفء القلوب

2025-11-07 02:13 PM - 
صابر سكر يكتب : حين تفقد البيوت دفء القلوب
صابر سكر
منبر

في محاكم الأسرة تُعلن الخلافات وتُناقش المشكلات، وغالبًا ما تنتهي بالطلاق الرسمي.
لكن في كثير من البيوت لا يُوثَّق الطلاق بورقةٍ رسمية، بل بصمتٍ طويل يذبح المودّة ويخنق الرحمة. يعيش الزوجان تحت سقفٍ واحد، لكن بينهما مسافات من الجفاء لا تُقاس. يشاركان المكان، لا الإحساس. إنه ما يُعرف بالطلاق الصامت؛ حياة بلا حياة، وزواج بلا روح.

الطلاق الصامت ليس خلافًا عابرًا، بل موت بطيء للمشاعر. تغيب الكلمة الطيبة، وتجفّ النظرات، ويصبح الوجود المشترك عادةً لا عِشرة. بيت بلا حوار ولا دفء يتحول تدريجيًا إلى جدران صامتة تخفي وجعًا لا يُقال، وتخفت فيه ضحكات الأبناء حتى تختفي تمامًا.

تبدأ آثاره من الداخل؛ فيفقد كل طرف إحساسه بنفسه، ويعيش عزلة داخل أسرته، لا يصرخ لأن لا أحد يسمع، ولا يرحل لأنه لا يعرف إلى أين يذهب. ومع الوقت تمتدّ الأزمة إلى العمل والعلاقات الاجتماعية، فيتراجع العطاء وتبهت الطاقة، لأن من يفقد السكينة في بيته يفقد التوازن في حياته.

أما الأبناء، فهم الضحايا الصامتون. يرون ولا يفهمون، يتألمون دون صوت، ويكبرون وهم يحملون خوفًا من الحب وشكًّا في الأمان، حتى يصبح الجفاف العاطفي نمط حياة يتوارثه المجتمع جيلًا بعد جيل.

إن الزواج ميثاق غليظ، أساسه المودّة والرحمة، لا الصمت والتجاهل. قال تعالى:
"وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُم مِّنْ أَنفُسِكُمْ أَزْوَاجًا لِّتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُم مَّوَدَّةً وَرَحْمَةً."

فإذا غابت المودّة، غابت البركة من الحياة. والسكوت عن الألم ليس صبرًا، بل إهمال لعِشرة باركها الله، وظلم للنفس وللأبناء على حد سواء.

ومع ذلك، يبقى الأمل ممكنًا. فالكلمة الصادقة قادرة على أن تُحيي ما مات، والاهتمام الحقيقي يمكن أن يذيب جليد الصمت. ربما ما يفصل بينكما جدار خوف لا كراهية.

ابدأ بخطوة، بكلمة، بابتسامة. فإن لم تجد سبيلًا للإصلاح، فافترق بإحسان، فالله جعل في الفراق رحمة كما جعل في اللقاء مودّة.
حين يصمت الحب... لا بد أن يتكلم العقل.

مساحة إعلانية