مساحة إعلانية

مساحة إعلانية

منبر

المبدعون

وسط الملايكة قصة محمد فيض خالد

2024-02-29 15:56:05 - 
وسط الملايكة  قصة محمد فيض خالد
محمد فيض خالد - قاص وأديب مصري

للمكان مهَابته وجَلاله حَتَّى وإن بَدى متواضعا، حَوائطه المبَنية باللَّبِن لا تتَجاوز المترين، يعترض المدخل حَجرٌ أملس، وفي المنُتصَف انتصبت شجرة النَّبق العتَيقة، خَيَّمت فروعها الكثيفة من حَولِ المكان، وترامت في انحنائِه تَكاسلٍ فوقَ ماء التّرعة، تُداعب وجه الماء، وتُرسِلُ من بَعيدٍ برسائل اطمئنان للسَّائرين من بَعيدٍ فَوقَ تُراب الِجسرِ المُلتهب بأمانيّ الرحمة. مُصَلَّى قرَيتنا قَديمٌ ، لا يَعرف من أنشأه ،تَتضارب الأقوال قالوا :" لقد أقام درويشٌ غريب في المكان شهرا كاملا يَتعبَّد، فبنى الأهالي المُصلَّى مكانه " ،وقالوا :" لقد نذرت سيدة من نساء القرية نذرا لله ؛ إن عَاشَ لها ولد أن تبنيه بيديها " ،لكنَّ المَقطوع بصحتِه ، أن النَّبقة غرسها رَجلٌ أعلنَ إسلامه على كَبرٍ ، بعد رؤية ظلَّت تُطارده في منامه سنين عِدة ،طَلبَ منه الهاتف أن يغرسها، يَستظل تحتها المُصلين ،ويأكل الضُّعفاء من ثمرها وقد كان، رأيت الرجل في نَهاياتِ أيامه عَجوزا يَتوكَّأ على هراوةٍ غليظة ، يَكرّ حَبات مِسبحتهٍ خشب مُتآكلة ،صَغيرا دَرجت خُطايَّ إليهِ ، اغرتني حَبَّات النَّبق المُتلألئة بمذاقها الشَّهي ، مع عصابةِ الأشقياء ، ترهبنا عَصاة شيخ الَخفر الوَصيَّ على المكانِ فنَفرّ إلى الماءِ.تدفعني أمي دَفعا نحو المُصلَّى ، تَعطيني طَبق البَلح المُحمص قبُيل الغروب ، تَقولُ مُوصية :" اعطيه للشيخ حفني " ، في سَكينٍة اجلسُ فَوقَ الحَصيرِ المُهَترئ اتلمَّسه بيدٍ وجلةٍ ،اُطالِعُ حَركات العَجائز في رُكوعٍ وسُجود ،اهبط ُعلى المُوردة بَحذٍر، اُغِرقُ رأسي ووجهي ، واُغمرُ قَدميَّ بالماء ،ثم انضمُ للجَماعِة ، مَع دُخولِ الامتحانات انتظمُ في الصَّلاةِ ، وفي أحيانٍ اتطوّعُ مع الشَّيخ " فتحي " في كنَسِه ونفض الُحصر، يرميني الشيخ " حفني " بضحكاتهِ التي تُشبه البكاء ، يَهزُّ عمامته في استخفافٍ يقول:" لابُّد وأنَّ الامتحانات قد اقتربت " ، فهذا أوان امتلاء المُصلَّى بالصِّبيةِ. احكُّ جَبهتي بالحَصيرِ ، تُغريني تِلك البُقعة السَّوداء التي تتَوسَّط جِباه الكِبار، اخبرتني أمي يَوما بأنَّها حِرزٌ من مَردةِ الجِنِّ والأبالسة الذين يِجوبون الأرضَ يُؤذون الَخلقِ ،ٍحاولت أكثرَ من مَرةٍ الاجتهاد في العبادةِ ، هَجرتُ الرِّفاق وتغَافلت عن ألعابهم ،دسست نفسي بين الصُّفوفِ وزاحمت الأرجل ، أهمسُ ضارعا لله أن يَهبط عَليَّ ثروةً كبيرة ، جاءتني البُشرى بعدَ أيامٍ ، كانت القُروش العَشرة التي اعثر عليها بجوارِ نخلة " زكي" مُرضية للغَايةِ ،عنَّفتني عَمتي حِين اخبرتها بالأمرِ، قالت مُؤنّبة :"لماذا كشفت السّر ، لقد كُنت على بعُدِ خُطواتٍ وينفتح أمامك كنز قارون ". تَغوصُ قدمَّي الآن في وَبرٍ كثَيفٍ من السِّجادِ الأحمر، تَذكَّرت رَسن بقرتنا الصُّفراء، ووصايا أمي أن اضعه تحتَ الحَصير في غَفلةٍ من المُصلين لترد عَينَ الحُسَّاد، استردُ وعيَّي على نَحنحِة الشيخ " مرعي " المُصطنعة، اُزيل الُمصلَّى القديم، وبُني مَحله مَسجدا عظيما، لكنَّ ونس الأمس باقي لا يَتحول.

مساحة إعلانية