مساحة إعلانية
الالتفاف حول مصريتنا ... بقلم الإعلامي خالد سالم
في خضم عالم يموج بالأزمات والتحديات، وفي لحظة فارقة من تاريخنا المعاصر، اكتشف المصريون من جديد معنى أن تكون مصريًا. لم يكن هذا الاكتشاف وليد الصدفة، بل جاء نتيجة وعي عميق بحجم التحديات التي تحيط ببلدنا من كل جانب، وإدراك حقيقي لقيمة هذا الوطن الذي يقف شامخًا رغم كل العواصف.
صحوة الوعي الوطني
عندما نظر المصريون حولهم، رأوا إقليمًا يحترق، ودولًا تتفكك، وشعوبًا تُشرَّد، وحضارات تُمحى. رأوا الحروب تلتهم الأخضر واليابس في أكثر من بلد عربي، والأزمات الاقتصادية تعصف بدول كانت بالأمس القريب تُضرب بها الأمثال. في هذه اللحظة بالذات، أدرك كل مصري أن ما نملكه ليس مجرد وطن، بل هو ملاذ آمن وسط بحر هائج من الفوضى.
هذا الوعي لم يأتِ من فراغ، بل هو ثمرة تجربة ومعاناة، ونتيجة مقارنة صادقة بين حالنا وحال من حولنا. نعم، لدينا تحديات وصعوبات، لكننا ما زلنا نملك دولة قوية، وجيشًا وطنيًا يحمي حدودنا، ومؤسسات تعمل ليل نهار من أجل استقرارنا.
المتحف المصري الكبير: رمز الوحدة والفخر
وفي توقيت لا يمكن أن يكون أكثر دلالة، جاء افتتاح المتحف المصري الكبير ليكون بمثابة الشرارة التي أعادت إشعال جذوة الفخر الوطني في قلوب المصريين. هذا الصرح العالمي الذي يحتضن حضارة سبعة آلاف عام، لم يكن مجرد متحف يعرض آثارًا، بل كان رسالة قوية للعالم: مصر باقية، مصر قادرة، مصر تبني مستقبلها بأيدي أبنائها.
المتحف المصري الكبير أصبح نقطة التقاء لكل المصريين، بمختلف أطيافهم وتوجهاتهم. وقف الجميع أمام عظمة أجدادنا، وشعروا بالمسؤولية الملقاة على عاتقهم لتكون مصر الحاضر جديرة بمصر الماضي. توحدت الجبهة، واتضح الهدف، وعاد للظهور بقوة ذلك المبدأ الأصيل: *مصر أولاً*
ظاهرة فريدة: المصريون يتحولون إلى ملوك وملكات
وفي مشهد يعكس عمق الارتباط بالهوية المصرية، شهدت وسائل التواصل الاجتماعي ظاهرة فريدة من نوعها. قام المصريون، ومعهم كل محبي مصر من مختلف أنحاء العالم، باستخدام تقنيات الذكاء الاصطناعي لإنشاء صور لهم بأزياء الملوك والملكات الفراعنة. انتشرت هذه الصور كالنار في الهشيم، وأصبح الملايين يظهرون بتيجان الفراعنة وزينتهم الذهبية.
هذه الظاهرة لم تكن مجرد موضة عابرة أو تقليد أعمى، بل كانت تعبيرًا صادقًا عن الفخر بالانتماء لهذه الحضارة العظيمة. كل مصري أراد أن يقول للعالم: "أنا حفيد الفراعنة، أنا ابن هذه الأرض التي علمت البشرية معنى الحضارة". تحول المصريون جميعًا إلى ملوك وملكات، ليس بالتيجان الافتراضية فقط، بل بالروح التي استعادت عظمتها وكبرياءها.
هذا الاحتفاء الرقمي بالهوية المصرية جاء متزامنًا مع افتتاح المتحف المصري الكبير، ليشكل معه حالة غير مسبوقة من الزخم الوطني والفخر الحضاري. أصبحت وسائل التواصل الاجتماعي ساحة للتعبير عن الحب العميق لمصر، ومنصة لتوحيد المصريين حول هويتهم المشتركة.
مصر أولاً... ليس شعارًا بل منهج حياة
"مصر أولاً" ليست كلمات تُردد، بل هي منهج حياة ورؤية وطنية. إنها تعني أن نضع مصلحة الوطن فوق كل اعتبار، وأن نتجاوز خلافاتنا الصغيرة أمام التحديات الكبيرة، وأن ندرك أننا جميعًا في سفينة واحدة، إما أن ننجو معًا أو نغرق معًا.
هذا المبدأ عاد للظهور بقوة في تصرفات المصريين اليومية، في حرصهم على بلدهم، في دفاعهم عن سمعتها، في عملهم الدؤوب من أجل بنائها. أصبح كل مصري يشعر بأنه جزء من معركة البناء، وأن دوره مهما كان صغيرًا فهو مؤثر في المسيرة الكبيرة.
قيادة حكيمة في بحر هائج
ووسط هذا البحر الهائج من الأزمات الإقليمية والدولية، من الحروب والصراعات، من التحديات الاقتصادية والسياسية، تبرز أهمية القيادة الحكيمة التي تمسك بدفة السفينة المصرية. قيادة تدرك حجم التحديات، وتملك الرؤية والإرادة لمواجهتها، قيادة لا تنساق وراء العواطف بل تتخذ قراراتها بناءً على المصلحة الوطنية العليا.
السفينة المصرية تشق طريقها بثبات، رغم الأمواج العاتية. وهذا لا يتحقق إلا بتكاتف الطاقم كله، من قائد السفينة إلى آخر فرد فيها. كلنا مسؤولون، وكلنا شركاء في هذه الرحلة.
دعاء من القلب
اللهم اجمع المصريين دائمًا بخير، واحفظ مصر وأهلها من كل سوء. اللهم ألف بين قلوبنا، ووحد صفوفنا، واجعلنا يدًا واحدة من أجل بناء وطننا. اللهم احفظ قيادتنا الحكيمة، وسدد خطاها، وأعنها على تحمل الأمانة الثقيلة.
في النهاية، الالتفاف حول مصريتنا ليس خيارًا، بل هو ضرورة وجود. في عالم لا يرحم الضعفاء، ولا يحترم إلا الأقوياء، علينا أن نكون أقوياء بوحدتنا، أقوياء بإيماننا بوطننا، أقوياء بعملنا من أجل مستقبل أفضل لأبنائنا.
مصر التي علمت العالم الحضارة منذ آلاف السنين، قادرة اليوم على أن تكون نموذجًا للاستقرار والبناء في إقليم يعاني. وهذا لن يتحقق إلا بنا جميعًا، بالتفافنا حول مصريتنا، وبجعل "مصر أولاً" نبراسًا يضيء طريقنا.
عاشت مصر حرة أبية، وشعبها موحدًا قويًا.