مساحة إعلانية

مساحة إعلانية

منبر

المبدعون

عائدةٌ من الموتِ - قصة قصيرة

2023-07-27 22:40:18 - 
عائدةٌ من الموتِ - قصة قصيرة
حسن رجب الفخراني

حسن رجب الفخراني
بأنامل مرتعشةٍ , أمسكتْ هاتفها, حاولت قدرَ استطاعتها أن تبلغَهُ الرقم الذي تبغاه, من الجانبِ الآخر تنَاهَي لسمعِها صوتُ رنينٍ مكتومٍ , بعدَ هنيهَةٍ سمعت صوتاً ,كأنه يأتي من أعماق سحيقة :
-كيف حالك يا حبيبتي؟
خرجت الكلمات من فيها متحشرجةً وهي تقولُ: أنقذني , إنني أموت, لقد أصبتُ بالكورونا ولا أحدَ معي بالمنزلِ, إنني...ولم تكمل عبارتها الخائفة, فقد أغلق من يحادثها الهاتف بغتةً.الحمي تأكلها , تتأججُ نيرانُها في كافة أنحاءِ جسدها, السعال الجافُ يكادُ يمزقُ رئتيها ,دوارٌ عنيفٌ يعصفُ بها وكأنه إعصارٌ مدمرٌ, بدأت الرؤيةُ تهتزُ رويداً رويداً, شعرتْ بأنها تسقطُ في بئرٍ عميقٍ لا قرار لهُ.
أيقنتْ في قرارةِ نفسِها بأنها النهايةُ , هكذا تموتُ وحيدةً.مِن بينِ الضبابِ الذي احتواها , تشكلتْ ملامحٌ مبهمةٌ , حملقَتْ فيها بشدةٍ حتي بدأت تتبينُها, هذا وجههُ , تلكَ ابتسامتهُ البسيطةُ الساذجةُ وذاكً الوميضُ في عينيه والذي كان ينبضُ بحبها دائما. وهي لم تكن لتلقي إليه أدني اكتراث , بل فضلتْ الذي في عنفوانِ احتياجها إليه  تركها في مهبِ الريحِ , أغلق بابَ الحياةِ أمامها.
برغمِ كلِ ما تُعانِيهِ , تحاملتْ علي نفسها قدر طاقتها , اتجهت بخطواتٍ مهتزةٍ صوبَ البابِ وبكلِ ما لديها من تَمسُّكٍ بالحياةِ دفعتهُ لتجدَ نفسها بالشارعِ , علي مقربةٍ منها كان منزله ,اتجهت إليه , كأنها عائدةٌ من الموتِ. قرعتْ البابَ بوهنٍ وضعفٍ , وسقطتْ مغشياً عليها.
لم يصدقْ نفسهُ حين وجدها أمامه , لم يصدقها أكثر حينَ شاهدَها علي تلكَ الحالةِ البائسةِ , ولأنه كان طبيبا يشهدُ له بالكفاءةِ , أدرك علتها وما تُعانيه , لم يترددْ برهةً واحدةً وحملها في سيارته الصغيرة ألي أقرب مشفى. أحست أنها عادتْ من قلبِ كهفٍ مظلمٍ لترى نورَ الحياةِ مرةً أخرى , كلُّ ما كانتْ تُعانِيهِ ولَّى ولم تعدْ تشعرُ بهِ.
- لولاه – بعدَ اللهِ سبحانهُ وتعالى- مَن كان يعلمُ ما مصيركِ؟؟!
بدتْ منها ابتسامةٌ حائرةٌ وهي تقولُ: وهوَ، ماذا جرى لهُ ؟
لم تسمع سوى صوتُ صمتٍ مطبقٍ وحزنٌ تجلى في المُقلِ التي ترمُقُها.
- ادعي لهُ بالغفرانِ , كان الداءُ اشدُ عليه من قدرتهِ علي التصدي لهُ.
لم تعرف إن كانتْ تشعرُ بالحزنِ لأجلهِ أم بالسعادةِ من أجل ذاتها.
بقرارةِ نفسها كانت علي يقينٍ أنه قد ضحى بنفسهِ من أجلها , من أجل الحبِ الذي كانَ يُكنٌّه لها , في السعادةِ الغامرةِ التي كانتْ تنتابُهُ وهو يراها, في النظراتِ العميقةِ التي كان يرمُقُها بِها -على غفلةٍ منها- وإن كانت تشعرُ بِها.
وهي غارقةٌ في لُجَةِ أفكارِها , رنَّ هاتفها ,كان رقماً مجهولاً لا تعرفُهُ.
- مَن ؟
- ألا تعرفيني , إنه أنا .
اهتزتْ يدُها وبدونِ أدراكٍ منها أسقطتْ الهاتفَ ,هو, لِمَا يتصلُ بها الآن, ألم يكن أولُ مَن أبلغتْهُ بما اعتراهَا , لكنَّهُ أغلقَ الهاتفَ في وجهِهَا حينَ أخبرتهُ بأنها مُصابةٌ بالكورونا ,عادَ الهاتفُ للرنينِ مرةً أخرى , بيدِها المرتعشةُ انحنتْ والتقطتْهُ من الأرض.
- نعم  , ماذا تريدُ؟
- الهاتفُ أصابهُ تلفٌ , لذا لم استطع أن أحادثكِ ، ألا تصدقيني؟
لقد ذهبتُ للمشفى أكثرَ من مرةٍ , لكنَّهم رفضوا أن التقي بكِ , لأشرحَ لكِ ما حدث ، لم يكنِ الأمرُ بيدي.
- أُصدقُكَ لأنكَ حبيبي. وأنت كما تعلمُ أحبُّكَ وأغفرُ لكَ .
- لنتزوجَ إذن .
- أحقاً؟!
- نعم ولما لا؟
- لا مانعَ لديَّ.
التقى الأهل , وتم الاتفاقُ علي كلِ أُمورِ الزواجِ بل وتمَ تحديدُ يومَ الزفافِ.
بدأ العروسانِ في تجهيزِ شقةِ الزوجيةِ التي حملَ عقدُ ملكيتُها اسمُها , فرشُها بأحدثِ الأثاثِ بل وأثمَنَهُ , وهوَ لم يبخلْ عليها بشيءٍ حتي بالسيارةِ الفارهةِ التي طلبتْهَا . وجاءَ موعِدُ الزفافِ ,وكانَ في نادٍ من النوادي الفارهةِ. وفي ترقبٍ لمجيء العريسِ وعروسَهُ. كانتْ في أبهى زِينتُها وبهرُجُها.  أما هوَ , فما أن أنتهى من ارتداءِ حُلتَهُ الفارهةِ , حتي رنَّ هاتِفَهُ , كانَ رقماً لا يعرفُهُ والذي بادرَهُ بقولهِ : مبروكْ يا سيدي  ، لكنَّ واجبي يُحتِّمُ عليَّ أن أُخبِرُكَ, بأن داءَ كورونا يعودُ مرةً أُخرى لمن أُصيبَ بهِ, فهلْ تختارُ الحبَّ معَ زوجةٍ كانتْ مصابةً بكورونا وفي هذا نهايَتُكَ الحتميَّةِ ،  أم... ؟ ، وأغلقَ الهاتفَ. حينما أعاد الاتصال بذلكَ الرقمُ كانَ الردُ ،  لا يوجدُ هذا الرقمُ بالخدمةِ.

مساحة إعلانية