مساحة إعلانية

مساحة إعلانية

منبر

الرأي الحر

*طارق مصطفى القزق يكتب : إيران ... الثقافة والمذهب

2025-10-14 23:05:36 - 
*طارق مصطفى القزق يكتب : إيران ... الثقافة والمذهب
طارق مصطفى القزق
منبر

*ماجستير في مجتمعات وثقافات البحر المتوسط

إن المتأمل في حالة الصراع المستمرة منذ اندلاع الحرب السابع من أكتوبر في قطاع غزة إن عالمنا منقسم بين معارض ومؤيد لإيران ، وهذه الحالة ليست بجديدة، فمنذ إعلان الجمهورية الإسلامية في إيران عام   1979 ونظرة العالم العربي والإسلامي من الناحية السياسية الإيديولوجية والعقائدية لم تتغير.  وفي هذا التوقيت كانت بداية أفول الأيديولوجية الشيوعية في عالمنا العربي وبروز نشاط الصحوة الإسلامية خاصة في كل من فلسطين ولبنان وتركيا ومصر، وكانت الصدمة السياسية في عالمنا العربي والإسلامي هو توقيع اتفاقية كامب ديفيد ومعاهدة السلام بين مصر وإسرائيل.


 إن الرؤية السائدة في هذا الوقت انتشار المفهوم الإسلامي الحضاري الشمولي على الرؤية المذهبية والتي تهدف إلى تحرير القدس وإحياء المجتمعات الإسلامية، وإن كانت إيران هي من أنشأت حزب الله" الشيعي المذهب" بهدف سياسي يخدم مصالحها التوسعية في المنطقة بغطاء ثقافي فارسي مذهبي . وهذه الازدواجية هي عنصري القوة الناعمة لدى الجمهورية الإيرانية، ويمكن ملاحظة تأثير هذين العنصرين بوضوح  في الحاضنة الشيعية في عالمنا العربي والإسلامي، فكثير من الرادودين الشيعة العراقيين يرثون وينشدون باللغة الفارسية ومنهم من يتقن اللغة الفارسية ، وحتى في البرامج مثل " وجيها للحسين" حينما يأتي متسابق من إيران كانت تتواصل لجنة الحكام معه بالفارسية بشكل متقن. ولم يكن استعمال المذهب الشيعي كوسيلة اتصال ثقافي بين إيران والعالم العربي بل وأيضا لكل الشيعة وخاصة الشيعة الأذربيجانيين والأفغان. تعد إيران زعيمة المذهب الشيعي من الناحية الدينية و لها مكانة كبيرة  في أذربيجان نفسها على الرغْم من الاختلاف بينهما على الجغرافيا والسياسة وهذا أيضا له دورا رئيسيا للحيلولة دون نشوب صراع بين البلدين، لأن العمق التاريخي والديني المذهبي مؤثرا بشكل كبير.

وعلى الرغم من تعدد الطوائف الشيعية مابين إسماعيلية وعلوية واثني عشرية .... ألخ. إلا أن أيران من الناحية الثقافية كانت تركز على القيم  المشتركة بين جميع هذه الطوائف الشيعية وهنا يظهر العمومية المذهبية بمفهوم أعم من المفهوم المذهبي الضيق الذي يؤدي إلى التناحر وذلك تحت شعار " الحسين يجمعنا" ؛ وهو رمزا للوحدة والتضامن للمجتمعات الشيعية بعيدا عن الاختلاف المذهبي الدقيق بينهم والتي تبلغ درجة التكفير لبعض الطوائف الشيعية.

 ويعد الاحتفال المصاحب باللطميات والأناشيد من أحد الطقوس الرئيسية في المذهب الشيعي، والتي تقام بشكل سنوي في الأربعين ومن الناحية الوظيفية تهدف إلى إحياء الذاكرة الشيعية بمقتل الحسين وتثبيت للمخيلة الشيعية وهويتها، والأناشيد و والبكائيات والتي تعد من الأدب المذهبي لدى الشيعة وهي سهلة الانتشار بين جميع معتنقي المذهب .

وتعد البُكائيات وكذلك الأناشيد الدينية المذهبية من الفنون سهلة الانتشار بفضل سهولة وسائل الاتصال الذي عمل على التقارب الشيعي، الشيعي. وعلى سبيل المثال " سلام فرمانده" والذي يعني سلام يا قائد وهي أنشودة للإمام المهدي حسب الاعتقاد الشيعي وهذه الأنشودة ترجمت إلي عدة لغات منها العربية والتركية والإنجليزية، وفي أحدى اللطميات للردود "حاج  سيد" ذكر أنه يهدي الأنشودة الأغنية التراثية للأفغان المقاتلين في سوريا تحت لواء " فاطميون".

 وفي أحد اللقاءات التي أجراها "غسان بن جدو" مع "حسن نصر الله" زعيم حركة حزب الله قبيل اغتياله حينما سُئل عن كيفية التواصل بين الإيرانيين والحزب خاصة قال "نحن نتحدث الفارسية وهم ايضا يتحدثون العربية "، وحينما سئل عن الصراع بين السنة والشيعة وعن سب الصحابة الكرام ذكر إنه لايستطيع أن يفتي، وهو مقلد وأن مصدر الفتوى هي إيران، حينما أفتى السيد علي خامنئي بتحريم  سب الصحابة والطعن في عرض السيدة عائشة رضي الله عنها.

وهنا تكمن الإشكالية فإنه على الرغم من أن الهوية الشيعية ، هوية عربية إلا أن دخول إيران كنظام سياسي عمل على  تغييرالصورة الذهنية للمذهب من الإسلامية العربية إلي الفارسية الصفوية، وهنا ذابت السياسة في المذهب، ومن آثار الاتصال الثقافي بين الفرس العرب الشيعة  ظاهرة   " الشور " وهو عبارة عن لطمية  تشبه أغاني الراب في الموسيقى واللحن  السريع مع تكرار اسم الحسين، وهي  أثارت جدلا واسعا بين الرادود الشيعة في العراق والتي اعتبرها البعض ليست من الأدب الشيعي  وتراثه وأدت تغيير وظيفة البكائية والتي تهدف تذكير الناس بمظلومية الحسين عبر  الصوت الحزين والكلمات المؤثرة مما يثير مشاعر المستمعين ويحثهم على البكاء، مما يخرج الهدف الرئيس من المحفل العزائي إلى حفل  غنائي، وفي رأي أن هذا الشور الأقرب هو نوع من تجديد التراث  الشيعي وإعادة إنتاجه لكي يتلائم مع عصره ويكون جاذبا للشباب الإيراني لممارسة ذلك النوع من الطقوس، وحينما نتحدث عن إعادة إنتاج التراث الشيعي فإن على سبيل المثال طقوس التطبير في الحسينيات  يعود تاريخياً إلي عصر الشاه الصفوي عندما عين وزيراً للشعائر الحسينية، فاستعار من روما المسيحية آنذاك من بعض شعائرهم مثل جرح أجسامهم  بالسيوف والسكاكين حزناً على المسيح( الحيدري، 2014،ص256)، أصبحت مسألة التطبير في نظر المراجع الفقهية  المعاصرين من الشيعية وعلى رأسهم " خامنئي " والذي وصفه  بأنه " بيّن الغي"  وأشار في أحد مجالسه أن إقبال الشباب الإيراني على التدين هو نابع لعاطفته، ونذكر أيضاَ من العرب الأئمة الشيعة العرب " محمد باقر الصدر"في قوله "التطبير أمر لايجوز أبداً ويجب الامتناع عنه، .. ويجب على العلماء تحريمه" (المرجع نفسه،ص59)، وعموما فإن الشباب لن يقبل على دينا تطغى الخرافات فيه على الحقائق الإيمانية، وبمعنى آخر زيادة اللامعقولية في الطقوس مثل التطبير قد تمنع الشباب من الإقبال على الالتزام بالدين.

القوة الذكية الإيرانية وتأثيرها في عالمنا السني:

لم تكتف إيران باستعمال المذهب الشيعي في سياستها الخارجية بل أيضاَ استعملت ثقافتها الفارسية كقوة ناعمة للتأثير على شعوب المنطقة العربية والإسلامية، فعلى سبيل المثال استعمال الأفلام والمسلسلات الفارسية التي ترجمت باللغة العربية انتشرت في كثير من أنحاء العالم الإسلامي، إضافةً إلى هذا انتشار اللغة الفارسية كلغة مذهب وثقافة بين معتنقين المذهب الشيعي خاصة في العراق، القضية الأخرى تناولها للقضية الفلسطينية كقضية رئيسة كما يطلق عليها "القضية المركزية" ودعم حركات الجهاد الفلسطيني وحماس، وبالطبع الفواعل الرئيسية لها من غير دول كحزب الله وأنصار الله في اليمن، والنظام السوري سابقاً، وكان لاستخدام شعار " الدفاع عن المقدسات" هي الحافز الرئيس لكافة متطوعي الشيعة من جميع أنحاء العالم للقتال في سوريا، فقد استطاعت الجمع بين النقيضين " السني والشيعي "حول قضايا متناقضة  من جهة ، وعالم تركي وعالم عربي من جهة أخرى، وفي هذا السياق  تعتبر أيضاَ إيران جزء من المحور الروسي الصيني المناوئ إلي الغرب ، ودخول إيران  بحرب مباشرة مع إسرائيل أدى هذا إلى إعادة جاذبية إيران من الناحية السياسية والعسكرية، كدولة مدافعة عن الفلسطينيين وكان هذا واضحاً عبر مقاطع الفيديو المصورة، وأدى هذا أيضاَ إلى خفض حدة النبرة الطائفية في عالمنا العربي والسني، على الرغم من فورانها الدائم من الناحية الإعلامية.

وفي الختام من الناحية الجيوبوليتيكية، إن إيران دولة توسعية وتحتاج إلى زيادة نفوذها في عالمنا العربي والإسلامي، وعلى الرغم من بروز نجم "العثمانيين الجدد " في مقابل " الصفويين الجدد"  إلا أن الشعوب تهتم بمن يتخذ الموقف الفعلي تجاه قضاياه الرئيسية وليس من الناحية الخطابية، وهذا الفارق بين تركيا وإيران.  وفي عالمنا العربي نحن نسعى أن نجد أهدافاً ورؤى استراتيجية تقابل هذا التنافس الدولي في المنطقة.

المراجع:

الحيدري،نبيل(2014)،التشيع العربي والتشيع الفارسي:دور الفرس التاريخي في إنحراف التشيع، لندن ، دار الحكمة.

مساحة إعلانية