مساحة إعلانية
لم يكن السادس من أكتوبر يومًا عاديًا في تاريخ الأمة العربية، ولا صفحةً عابرة في سجل الحروب. كان يومًا تعانقت فيه الإرادة مع الإيمان، وتحوّل فيه الحلم إلى واقع، حين قرر الجيش المصري أن يكتب على ضفاف القناة ملحمةً من الشرف والعزة، مدعومًا بشعبٍ لم يفقد ثقته يومًا في النصر.
لم تكن حرب أكتوبر مجرد مواجهة بالسلاح، بل كانت مواجهة بين إرادتين: إرادة احتلال غاشم ظن أنه لا يُهزم، وإرادة وطنٍ قرر أن يعيش حرًّا أو يموت كريمًا. فحين عبر الجنود خط بارليف، لم يعبروا فقط قناة السويس، بل عبروا جدار الخوف والهزيمة الذي حاول العدو أن يبنيه في النفوس.
لقد كانت إرادة الجندي المصري هي السلاح الحقيقي في تلك الحرب، إرادة صنعتها سنوات الصبر، ووهج الوطنية الصامتة التي اشتعلت في صدور المقاتلين. كان كل جندي يحمل في قلبه وجه أمه، وصوت المؤذن في قريته، ورائحة الأرض التي تربى عليها.
لم يكن يقاتل دفاعًا عن تراب فحسب، بل عن معنى الحياة ذاته. ومن خلف الجيش، كان الشعب المصري جيشًا آخر لا يحمل البنادق، بل يحمل الإيمان والدعاء والعمل.
كانت المصانع تعمل ليلًا ونهارًا، والنساء يخبزن الأمل، والطلاب يتبرعون بدمائهم، والفلاحون يزرعون في الأرض يقين النصر. لم يكن جيش أكتوبر وحده في الميدان؛ كان وراؤه وطن بأكمله يحارب بصمتٍ وإصرار.
إن السادس من أكتوبر ليس مجرد ذكرى نحتفل بها، بل قيمةٌ نعيشها كل يوم. هو الدليل أن الشعوب حين تتوحد خلف جيشها، وحين تتسلح بالإرادة، يمكنها أن تحطم أي جدار، وتكسر أي قيد. لقد علمتنا تلك الحرب أن القوة لا تُقاس بعدد الدبابات، بل بعمق الإيمان بعدالة القضية، وأن النصر لا يُهدى، بل يُنتزع بدماء الرجال. فليكن السادس من أكتوبر رمزًا دائمًا في الذاكرة، لا كيوم حربٍ فقط، بل كيومٍ انتصرت فيه إرادة المصريين على المستحيل.