مساحة إعلانية
كتبت: زينب النجار
في كل حديث يقدّمه الدكتور علي الدكروري، تشعر أنك أمام عقلٍ يعرف كيف يصيغ الفكرة بلغة الفكر، وقلبٍ ينبض بحب الوطن وتاريخه. فهو ليس مجرد مفكر اقتصادي، بل إنسان راقٍ يؤمن بأن الحضارة ليست ماضيًا نحكيه، بل حاضرًا نصنعه ومستقبلًا نبنيه. كلماته عن التاريخ والحضارة ليست وصفًا جامدًا، بل مرآة تعكس شخصيته الجميلة، وإحساسه العميق بقيمة الإنسان والمكان ، رجل جمع بين الوعي والإنسانية، وبين الثقافة والتواضع، حتى صار نموذجًا للمثقف الحقيقي الذي لا يتعامل مع المعرفة كزينة عقل، بل كرسالة ومسؤولية.
يملك الدكتور الدكروري تلك الهالة الهادئة التي تسبق كلماته، وابتسامة صادقة تشبه نقاء فكره. حديثه يأخذك دون ضجيج، لأنك تدرك أنك أمام إنسانٍ يعرف قيمة وطنه، ويعشق تراثه، ويرى في حضارة مصر مرآةً لجوهرها الأبدي.
هو مثقفٌ عاشقٌ للهوية المصرية، يرى فيها القوة التي تصنع الحاضر وتضيء الطريق للمستقبل، ويؤمن أن النهضة لا تبدأ من المصانع أو الأبراج، بل من الوعي أولًا.
"حديث القلب والعقل"
حديثه عن الحضارة ليس استعراض معرفة، بل انتماء أصيل لرجل يرى في التاريخ جذور المستقبل، وفي الثقافة مفتاح النهضة.
هو نموذج للمفكر الذي لا يفصل بين الفكر والإنسان، ولا بين الاقتصاد والهوية، مؤمن بأن قوة مصر الحقيقية تكمن في وعيها بنفسها وبما أنجزته الإنسانية على أرضها،
ومن هذا المنطلق، تحدث الدكتور الدكروري عن المتحف المصري الكبير، لا كحدثٍ أثري فحسب، بل كـ رمز وطني يختصر رحلة أمةٍ بأكملها، من الحضارة القديمة إلى الدولة الحديثة.
"متحف يروي من نحن"
يرى الدكتور الدكروري أن المتحف المصري الكبير ليس مجرد بناءٍ فخمٍ على هضبة الجيزة، بل سردية مصرية جديدة تُروى بلغة الفن والمعمار والتكنولوجيا.
إنه مساحةٌ تتحدث فيها الحجارة، ويتنفس فيها الماضي بروح الحاضر، وتجتمع فيها الهوية والابتكار في مشهد حضاري واحد.
ويصف هذا الحدث بأنه إعلان صريح بأن “مصر لا تستعيد مجدها... بل تكتبه من جديد”، فكل تفصيلة فيه – من التصميم إلى الفكرة تعكس قدرة الدولة المصرية على تحويل التاريخ إلى طاقةٍ حية تحرك الاقتصاد، وتنمّي الوعي، وتبني صورة مصر في أعين العالم.
"من عبق الماضي إلى وعي المستقبل"
في رؤيته، لا ينتمي المتحف إلى الزمن الماضي، بل إلى المستقبل الذي يُبنى من ذاكرةٍ واعية.
فهو ليس مكانًا للعرض، بل منصة تفاعلية تعيد تعريف علاقة الإنسان بتاريخه، وتمنح الزائر تجربة معرفية وإنسانية تمس الوجدان قبل العقل.
ويؤكد الدكتور الدكروري أن هذا الصرح الثقافي يمثل منظومة فكرية واستثمارية متكاملة، تسهم في دعم الاقتصاد الوطني من خلال السياحة الثقافية المستدامة، وتجعل من التراث قيمة إنتاجية تُضيف للوطن ولا تُستهلك فيه.
"الحضارة كقوة ناعمة"
يؤمن الدكتور الدكروري بأن افتتاح المتحف هو نقطة تحول في مسار القوة الناعمة المصرية، ورسالة سلام وإنسانية من أرض الكنانة إلى العالم، تؤكد أن مصر رغم تقلبات الزمن تظل منارةً للفكر والإبداع وموئلًا للحضارات.
ويرى أن الدولة المصرية قدّمت بهذا المشروع صيغة جديدة للتنمية، لا تفصل بين الحضارة والاقتصاد، ولا بين الهوية والحداثة، لتثبت أن الاستثمار في الثقافة هو استثمار في المستقبل نفسه.
"تحية لرؤية تصنع الحلم"
واختتم الدكتور الدكروري حديثه بتقديرٍ عميق للرؤية الوطنية التي جعلت هذا الحلم ممكنًا، مؤكدًا أن ما تحقق هو ثمرة إيمان القيادة بقدرات المصريين، وإصرارها على أن يكون التاريخ جزءًا من التنمية لا مجرد ذكرى.
"المتحف المصري الكبير ليس افتتاحًا"
لمكان، بل افتتاحٌ لمرحلة مرحلة وعي جديد يليق بمصر، بتاريخها وإنسانها ودورها في العالم."
هكذا تحدث الدكتور علي الدكروري
لا كمؤرخٍ يسرد الوقائع، ولا كاقتصاديٍ يقرأ الأرقام، بل كصوتٍ مؤمنٍ أن الحضارة هي المعنى الأجمل للحياة، وأن مصر كما قال تظل تصنع التاريخ كل يوم، لأنها ببساطة لم تتوقف يومًا عن الحلم...