مساحة إعلانية
منذ استهداف طائرة الرئيس الإيراني الراحل إبراهيم رئيسي ثم اغتيال اسماعيل هنيه في قلب طهران إبان احتفالات تنصيب الرئيس الجديد توقعنا وجود ثمة صفقة بين طهران وواشنطن، اكتملت معالمها بتصريحات المرشد العام لإيران علي خامنئي الذي تخلي فيها عن حزب الله اللبناني وأمينه العام حسن نصر الله موضحاً أنه لن يستطيع محاربة اسرائيل وحده بل وأن طهران مستعدة للتهدئة مع تل أبيب، وعقب هذه التصريحات استهدف بنيامين نتنياهو جميع قيادات حزب الله وبينهم نصر الله نفسه ولم يكتفي بذلك بل امتدت قواته للتدخل في جنوب لبنان، ولم تحرك إيران ساكناً باستثناء إطلاق صواريخ وصفها المحللون بأنها ( بمب العيد) أضاءت سماء تل أبيب واسقطت ضحايا أبرزهم فلسطينيين، ومؤخراً جاء اغتيال القيادي الحمساوي يحيي السنوار الذي خلف هنية في قيادة حركة حماس، ليؤكد علي تخلي طهران بشكل كامل عن حماس وحزب الله وعن اذرعها القوية في المنطقة العربية ليبقي السؤال هو ما المقابل ؟
علي خلفية ذلك اتضحت معالم اللعبة وأصبح من المؤكد أن هدف نتنياهو منذ البداية تكرار سيناريو غزة في جنوب لبنان، بأن تجتاحها دباباته ويصبح التفاوض علي أن يكون التدخل البري محدودا ولا يصل إلي درجة إعادة الاحتلال الإسرائيلي لجنوب لبنان بعد التضحية بنصر الله، كما تم احتلال غزة وتشريد أهلها بالإضافة إلي تقديم رأس اسماعيل هنيه ومن بعده التخاذل في حماية السنوار كقرابين للصهاينة والامريكان.
وكما أشرنا في تقارير سابقة إلي أن الهدف الإيراني من وراء كل ذلك يتعلق بتوقيت انتهاء صلاحية مشروع الاتفاق النووي ( ٥+١) الذي كانت حكومة المرشد العام وملاليه قد وقعته مع نظام باراك أوباما الرئيس الأمريكي الأسبق المنتمي للحزب الديموقراطي، ولأن هذا الاتفاق يتعين استكماله بشكل نهائي خلال عام ٢٠٢٥ الذي أوشك أن يبدأ، هاهي طهران تضحي برجالها وتتنازل عن نفوذها في لبنان وتفتح الدولة اللبنانية أمام دبابات الاحتلال، بعد أن فرطت في حماية وتأمين عميلها اللبناني وقبله رجلها الحمساوي الأول ومن بعده القيادي الذي خلفه، وليتها توقفت عند هذا الحد بل خرج مرشدها علي خامنئي ليستدعي الصراع السني الشيعي بدون مبرر في محاولة لاستفزاز الدول العربية خاصةً الخليجية التي هي مستفزة بالفعل ولا ترحب من استكمال الفرس بناء منظومة نووية وصاروخية.
و استكمالا لهذا السيناريو خرجت علينا وسائل إعلام أمريكية تؤكد علي أن الرئيس الأمريكي جو بايدن حصل علي وعد من نتنياهو بأن الأخير لن يستهدف منشآت نووية وصاروخية إيرانية، فيما أكد مكتب نتنياهو أن حكومته تستمع إلي الرأي الأمريكي لكنها تنفذ في النهاية ما يصب في مصلحتها، بالرغم من أن إدارة بايدن أرسلت إلي تل أبيب بطارية منظومة الدفاع النووي الصاروخي ( ثاد ) علي اعتبار أن ذلك سيسهم في طمأنة الكيان المحتل في مواجهة مخاوفه المزعومة من الضربات الإيرانية التي تأتي في توقيتات معينة وتستهدف مواقع متفق عليها مسبقاً.
أما عن وزير الدفاع الإسرائيلي الأكثر تطرفا يواف غالانت فقد أكد صراحة أن رد بلاده علي إيران سيكون دقيقاً ومؤلما، ولكنه لم يوضح التوقيت أو الأهداف، فذهب بعض المحللين إلي أن تل أبيب بالفعل لن تستهدف المنظومة النووية والصاروخية ولا محطات النفط والكهرباء ولكن قد تستهدف مقر تجمع الرئاسة الإيرانية أو مقر المرشد الأعلى، وربما مقر الحرس الثوري، أما عن احتمالات استهداف منظومة الدفاع النووي والصاروخي فهو إجراء مؤجل لما بعد الانتخابات الرئاسية الأمريكية، لأن نتنياهو يعلم أن مرشحة الحزب الديموقراطي ترغب في استكمال توقيع الاتفاق النووي للضغط علي قطط الخليج السمان واستنزاف المزيد من الأموال النفطية بهدف حماية المنطقة من تحرشات إيران المحتملة، والتي من أجلها استدعي خامنئي الصراع السني الشيعي بدون مناسبة، والغريب أن هذا الهدف تتفق وتتجمع حوله المرشحة الديموقراطية التي تبدو منفتحة علي العالم مع منافسها الجمهوري الذي يصدر نفسه كممثل لليمين المتطرف دونالد ترامب، وإن كان الاختلاف في الاسلوب حيث لن يستكمل ترامب الاتفاق النووي ولن يفرج عن الأموال الإيرانية بل سيواصل حصار طهران إقتصاديا ليس فقط ليرضي تل أبيب ونتنياهو الذي يتمني فوزه، ولكن ليتقاضي ثمن ذلك في صورة صفقات سلاح جديدة مع الدول التي وصفها بأنها تعيش حياة ملوك ألف ليلة وليلة وعليها أن تدفع المليارات الدولارية لتأمين وحماية هذه الحياة المترفة، ناهيك عن كونه رجل اقتصاد يتطلع إلي أن يكون النفط والغاز الطبيعي الخليجي جزء من صفقة يضغط بها علي صديقه اللدود الرئيس الروسي فلاديمير بوتين ليخفف حربه علي أوكرانيا وبذلك يكون ترامب قد نفذ وعوده بإنهاء الحرب الروسية الأوكرانية بالتوازي مع تأمين المصالح الإسرائيلية في المنطقة واستنزاف الأموال والذهب الأسود الخليجى.
وعلي خلفية ذلك يتضح أن كامالا هاريس لا تختلف عن ترامب ولكن الفارق أنها تنتمي للاتجاه الماسوني الذي يستعجل إشعال حرب نووية في المنطقة تقضي علي من يطلقون عليهم الضعفاء والاغبياء ولا يتبقي إلا أبناء الرب، بينما يريد ترامب أن تكون النهاية بطعم اقتصادي من خلال صفقات السلاح تارة والحصار الاقتصادي تارة أخرى.
ولأن واشنطن نفسها تؤكد أنها لا تأمن جانب تل أبيب ولا تضمن إلتزام نتنياهو بوعوده كان لابد لطهران من اللجوء إلي دولة قوية تعد القطب الإقليمي الضامن لكل المفاوضات والذي يحظي باحترام كل الأطراف، ومن ثم سارع وزير الخارجية الإيراني إلي زيارة القاهرة ليلتقي بالرئيس عبد الفتاح السيسي في إطار سعي بلاده إلي الاستفادة من قوة القاهرة كعاصمة للقرار السياسي ومركز للطاقة والغاز الطبيعي في المنطقة، لأنه في حالة الجلوس علي مائدة المفاوضات مع إسرائيل أو أمريكا أو مع دول الخليج النفطية لا توجد دولة أقدر من مصر علي أن تلعب دور الوسيط لأنها كما أشرنا تحظي باحترام كل الأطراف.