مساحة إعلانية

مساحة إعلانية

منبر

قضايانا

أستاذ قانون دولي يحدد خارطة طريق لإنقاذ الفاشر بالسودان

2025-10-29 16:24:17 - 
أستاذ قانون دولي يحدد خارطة طريق لإنقاذ الفاشر بالسودان
الدكتور محمد محمود مهران

كتب: مصطفى علي عمار 

حذر الدكتور محمد محمود مهران أستاذ القانون الدولي العام وعضو الجمعية المصرية للقانون الدولي، من أن مدينة الفاشر بإقليم دارفور السوداني تشهد انتهاكات جسيمة وممنهجة للقانون الدولي الإنساني ترقى لمستوى الإبادة الجماعية وجرائم ضد الإنسانية في ظل صمت دولي مريب يذكر بالتقاعس الدولي في رواندا والبوسنة.

وأشار الدكتور مهران في تصريحات صحفية، إلي إن ما يحدث في الفاشر يمثل كارثة إنسانية بكل المقاييس حيث يتعرض المدنيون لقتل ممنهج واغتصاب جماعي وتهجير قسري ونهب وحرق للممتلكات وحصار خانق يحرمهم من الغذاء والدواء والماء، موضحا أن التقارير الميدانية من منظمات حقوق الإنسان والأمم المتحدة توثق جرائم مروعة ترتكب يوميا بحق السكان المدنيين العزل.

وأكد أن آلاف المدنيين قتلوا بشكل مباشر ومتعمد في هجمات عشوائية استهدفت الأحياء السكنية والأسواق والمستشفيات والمدارس وأماكن النزوح لافتا إلى أن عشرات الآلاف أجبروا على النزوح في ظروف قاسية دون مأوى أو غذاء أو ماء مما أدى لوفاة المئات من الأطفال والنساء وكبار السن بسبب الجوع والمرض.

ومن منظور القانون الدولي أكد الدكتور مهران أن ما يحدث في الفاشر يشكل انتهاكات جسيمة ومتعددة للقانون الدولي الإنساني واتفاقيات جنيف مبينا أن المادة الثالثة المشتركة بين اتفاقيات جنيف الأربع تحظر الاعتداء على حياة الأشخاص وسلامتهم البدنية والمعاملة القاسية والتعذيب وأخذ الرهائن والاعتداء على الكرامة الشخصية.

وأكد أن البروتوكول الإضافي الثاني لاتفاقيات جنيف المتعلق بالنزاعات المسلحة غير الدولية يحظر الهجمات المباشرة ضد السكان المدنيين ويلزم أطراف النزاع بالتمييز بين المدنيين والمقاتلين مشيرا إلى أن استهداف المستشفيات والمدارس وأماكن العبادة يشكل جريمة حرب وفقا للمادة الثامنة من نظام روما الأساسي.

وحذر أستاذ القانون الدولي من أن الأنماط المرصودة للجرائم في الفاشر تحمل مؤشرات واضحة على ارتكاب جريمة الإبادة الجماعية موضخا أن المادة الثانية من اتفاقية منع جريمة الإبادة الجماعية والمعاقبة عليها تعرف الإبادة الجماعية بأنها أفعال ترتكب بقصد التدمير الكلي أو الجزئي لجماعة قومية أو إثنية أو عرقية أو دينية.

وأكد أن الهجمات المستهدفة لمجموعات عرقية محددة في دارفور واستخدام العنف الجنسي كسلاح حرب والتهجير القسري الممنهج كلها مؤشرات على نية الإبادة مشيرا إلى أن محكمة العدل الدولية وضعت معايير واضحة للتحقق من نية الإبادة وأن الأنماط المرصودة في الفاشر تتطابق مع هذه المعايير.

وأكد الدكتور مهران أن الجرائم المرتكبة تشكل أيضا جرائم ضد الإنسانية وفقا للمادة السابعة من نظام روما الأساسي، موضحا أن هذه المادة تجرم القتل العمد والإبادة والاسترقاق والإبعاد أو النقل القسري للسكان والاعتقال التعسفي والتعذيب والاغتصاب والعنف الجنسي والاضطهاد عندما ترتكب في إطار هجوم واسع النطاق أو منهجي.

كما لفت إلى أن الجرائم في الفاشر ترتكب بشكل واسع ومنهجي وموجه ضد السكان المدنيين مما يجعلها تندرج تماما تحت تعريف الجرائم ضد الإنسانية. وأكد أن هذه الجرائم لا تسقط بالتقادم ويمكن محاسبة مرتكبيها في أي وقت.

وأدان مهران استخدام التجويع كسلاح حرب ضد المدنيين في الفاشر من خلال منع وصول المساعدات الإنسانية وحصار المدينة، موضحاً أن القانون الدولي الإنساني يحظر صراحة تجويع المدنيين كأسلوب من أساليب الحرب وأن البروتوكول الإضافي الأول ينص في المادة 54 على حظر مهاجمة أو تدمير أو نقل أو تعطيل الأعيان والمواد التي لا غنى عنها لبقاء السكان المدنيين.

وحذر من الاستخدام الممنهج للعنف الجنسي والاغتصاب كسلاح حرب في الفاشر، مؤكدا أن اغتصاب النساء والفتيات بشكل جماعي ومنظم يشكل جريمة حرب وجريمة ضد الإنسانية وقد يكون جزءا من نمط الإبادة الجماعية، لافتا إلى أن المحكمة الجنائية الدولية أكدت أيضا في أحكامها أن العنف الجنسي يمكن أن يشكل وسيلة لتدمير جماعة معينة.

واستنكر التجاهل الدولي المخزي لما يحدث في الفاشر متسائلا عن سبب الصمت المريب للمجتمع الدولي أمام هذه المجزرة الإنسانية، مؤكدا أن هذا الصمت يذكر بالتقاعس الدولي الذي سمح بوقوع إبادة جماعية في رواندا عام 1994 وفي سربرنيتسا بالبوسنة عام 1995.

هذا وأشار إلى أن مجلس الأمن الدولي عاجز عن القيام بمسؤولياته في حفظ السلم والأمن الدوليين بسبب التجاذبات السياسية والمصالح الضيقة للدول الكبرى، مؤكدا أن الميثاق يمنح المجلس صلاحيات واسعة لاتخاذ تدابير لوقف الانتهاكات الجسيمة لكنه يتقاعس عن استخدامها.

ودعا المجتمع الدولي لتحرك فوري وحاسم لوقف المجزرة في الفاشر، وحدد عدة إجراءات عاجلة: أولا إصدار قرار من مجلس الأمن بوقف فوري لإطلاق النار وحماية المدنيين، ثانيا نشر قوات حفظ سلام دولية لحماية السكان المدنيين، ثالثا فتح ممرات آمنة لإيصال المساعدات الإنسانية العاجلة.

وتابع: رابعا إحالة الوضع في دارفور للمحكمة الجنائية الدولية لمحاسبة مرتكبي الجرائم، وخامسا فرض عقوبات على القادة المسؤولين عن الجرائم وتجميد أصولهم ومنع سفرهم، مع تشكيل لجنة تحقيق دولية مستقلة لتوثيق الجرائم وجمع الأدلة.

ونوه الدكتور مهران إلي أن الشعب السوداني في الفاشر يتعرض لإبادة جماعية أمام أعين العالم وأن التاريخ لن يرحم الصامتين على هذه المجزرة مؤكدا أن القانون الدولي يوفر الأدوات اللازمة للمحاسبة لكن المطلوب هو إرادة سياسية حقيقية لتفعيل هذه الأدوات وإنقاذ ما يمكن إنقاذه من الأرواح البريئة.

مساحة إعلانية