مساحة إعلانية
كتب- سيد طنطاوي:
لا يُمكن قراءة الضربة الإيرانية بالمسيرات والصواريخ لإسرائيل في إطار المسرحية، كما يُروج البعض، لأنها لم تم أخذ هذه المبررات على محمل الجد فإن المبررات ذاتها أو بعض منها على الأقل سنجدها تنطبق على الحرب العالمية الأولى والثانية وحروب أخرى، ولما لا وهناك من يعتقد أن نصر أكتوبر العظيم مجرد مسرحية لتحريك الأوضاع في المنطقة.
وقبل الضربة الإيرانية على الكيان الصهيوني، هل اتفقت إيران على ضرب قنصليتها في العاصمة السورية دمشق؟، وهل اتفقت على قتل أحد أبرز قادة الحرس الثوري الإيراني؟
إجابة كل من له عقل قطعًا لا، لكن لماذا رأى البعض في القصف الإيراني مسرحية؟
البعض رأى أن رد الفعل الإيراني ضعيف، لكن هذا مجاف للحقيقة، فمجرد الاستهداف المباشر للكيان الصهيوني وهو استهداف معلن فهذا تطور خطير على الساحة الاستراتيجية لم يجرؤ عليه أحد من الرئيس العراقي الراحل صدام حسين.
الأمر الآخر أن إيران تريد ضربة ترد لها كبريائها وفي الوقت ذاته تقول بها إنها ذهبت بأفعالها إلى مناطق لم تخطر على أحلام آخرين، وهي لا تريد الانجرار إلى حرب طويلة الأمد فاقتصادها لن يتحمل وبالتالي هي تريد ضربة إجرائية وليست ضربة انتقامية، بدليل إعلان مندوب إيران لدى الأمم المتحدة انتهاء رد الفعل الإيراني بعد الإطلاق المباشر للصواريخ وقبل صولها لإسرائيل.
لكن ماذا عن إعلان إسرائيل أن الصواريخ لم تؤثر أبدًا؟
الحقيقة أن قاعدة نفاتيم تأثرت بشكل كبير وتم تدمير طائرة من طراز سي 130، وهي القاعدة التي انطلقت منها الصواريخ التي قصفت إيران، أنا إعلان إسرائيل أن الضربة لم تؤثر فذلك لأن تل أبيب لو أعلنت الخسائر الحقيقية لاستوجب ذلك منها رد فعل على الضربة وإلا سقط الصيت الذي صنعته لنفسها خاصة بعد الضربة التي تلقتها في السابع من أكتوبر الماضي على يد المقاومة الفلسطينية.
إسرائيل لديها حالة رعب من فتح كل الجبهات ضدها، إذ لديها جبهة طويلة مفتوحة ضد حركات المقاومة الفلسطينية، ولدينا جبهة تشتعل تارة وتبرد تارة أخرى مع حزب الله اللبناني، ولديها تهديدات للسفن الادمة إلى موانئها من البحر الأحمر من الحوثيين الموالين لإيران بل وهم أحد أذرعها القوية جدًا، وبالتالي فإن فتح جبهة قتال جديدة مع جيش نظامي كالجيش الإيراني إنما سيكون نوعًا من الانتحار أو على الأقل الجنون الاستراتيجي.
لا يُمكن أيضًا استبعاد عملية القرصنة على سفينة ملياردير إسرائيلي في البحر الأحمر بصفة معلنة من إيران، من كونها جزء من عملية الانتقام الإيراني.
الحقيقة أن الرد الإيراني مناسب جدًا خاصة على العالم الذي غض الطرف عامدًا متعمدًا عن استهداف مقر دبلوماسي ولم يُدن حتى عملية الاستهداف وليس حتى مجرد توجيه الاتهام لأحد، كان يمكن للأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو جوتيريش أو حتى مجلس الأمن أن يدين عملية استهداف المقرات الدبلوماسية دونما أن يشير غلى الفاعل، لكن البجاحة الدبلوماسية العالمية فاقت الوصف، ولم يروا إلا رد الفعل.
تستحق إيران التحية على استهداف الكيان الخبيث، وإن قذفته بالمياه، أما من يرون الأمر مسرحية، فليقولوا من آخر من استهدف تل أبيب وأعلن الضربة قبلها.
إيران فعلت ما هو في مقدورها وما حددته بأهداف استراتيجية محددة، إذ كانت تريد رد فعل محدود لا يأخذها لحرب طويلة الأمد، وفي الوقت ذاته قالت في رسالة مُبطنة إنها يمكنها الذهاب غلى ما هو أبعد من ذلك.