مساحة إعلانية
سافريكس …للأديبة إيمان العطيفي
في هذه القصة تتخذ ركوب الموج معنى يتجاوز المغامرة الجسدية ليصبح رحلة وجودية نحو التحرر من الخوف والخذلان. تبدأ الساردة في عالمٍ تحكمه الخيبات، يملؤه سراب الأمل وانكسارات الذات، فتجد في الموجة رمزًا للخلاص، وتقرر تحدي المستحيل لتستعيد قدرتها على الفعل بعد زمن من العجز. البحر هنا ليس خلفية للأحداث بل كائن أسطوري يختبر الداخل الإنساني، والموجة "سافريكس"تمثل المواجهة القصوى مع الذات، تلك اللحظة التي يتساوى فيها الخطر بالحياة، والخوف بالشغف. الدروس الأربعة التي تتلقاها من الرجل الغامض ليست تعليمات رياضية، بل طقوس تطهير روحي: السيطرة على العقل والجسد، التنفس في وجه الاختناق، الإتقان قبل المجازفة، ثم الحب كخاتمة للرحلة، وكأن الحياة لا تكتمل إلا بقبلة تُعيد للروح دفأها الأخير. التناقض بين الخوف والفزع، وبين السيطرة والانهيار، يضع القارئ أمام معادلة الإنسان الوجودية: أن يعيش رغم إدراكه للموت. أما لقاءها بالرجل فليس مصادفة، بل لقاء بين روحين من أبناء البحر، كأن القدر جمع بينهما ليكملا ما عجز كل منهما عن فعله وحده. النهاية التي تنغلق على الجملة: "من أشتهي تقبيله سرقته منى منذ عام مضى"، تجعل النص كله صرخة مؤجلة في وجه الفقد، فالموجة لم تكن هدفها الحقيقي، بل كانت وسيلة لتستعيد شجاعتها في مواجهة غيابٍ لا يُعوّض. هذه القصة تفيض بلغة شاعرية تمزج بين فلسفة الخطر وسحر البحر، وتختصر صراع الإنسان الأبدي بين البقاء والاستسلام، بين الحب والفناء.
جين… للأديبة إيمان العطيفي
في هذه القصة تتجلّى معاناة الإنسان حين يولد محاطًا بنظرات الرفض وأحكام الآخرين، فهي ليست عن توأم أحدهما جميل والآخر قبيح فحسب، بل عن انقسام الذات بين ما يُقبل اجتماعيًا وما يُنفى إلى الظل. الأخت “ناهيا” تمثّل الوجه المشرق الذي يحظى بالحب والاهتمام، بينما الراوية تجسّد الوجه الآخر للعائلة والمجتمع، الوجه الذي يتحمّل تبعات المقارنة الدائمة، والخذلان الذي يُبرَّر بالقدر. الصراع هنا ليس فقط بين أختين، بل بين صورتين للإنسان: صورةٍ تبحث عن القبول، وأخرى تكتشف أنّ الجمال لا يضمن السعادة كما أنّ القبح لا يمنع الحب. الأم تمثّل السلطة التي تصنع هذا الخلل في الميزان العاطفي، إذ تغذّي الفارق بين التوأمين حتى يتحوّل الحب إلى واجب، والواجب إلى عبء. لكن الراوية، رغم شعورها بالمنفى داخل بيتها، تبقى مخلصة لأختها، كأنها بذلك ترفض أن يُلوَّث قلبها بما لوّث قلوب الآخرين. ومع الانتقال إلى العوالم الموازية، تتسع رمزية النص لتصبح تأملًا في معنى الحب ذاته، فهو في النهاية ليس امتيازًا اجتماعيًا، بل طوق نجاة روحي يربط الإنسان بما يتجاوز القبح والجمال، الظلم والتمييز. إن هذا النص يقدّم قراءة عميقة في الوعي الإنساني، ويذكّرنا بأن المنبوذ الحقيقي ليس من يحمل الندبة على وجهه، بل من فقد القدرة على الحب.
شجرة التين.. للأديبة إيمان العطيفي
في هذه القصة تنسج الحكاية رموزًا كثيفة تمتد من الفلك إلى الأرض، ومن الأسطورة إلى الواقع، لتقول إن دورة الحياة والموت ليست حدثًا منفصلًا بل لغة كونية تتكرر في الإنسان والطبيعة على السواء. الحدث الكوني المتمثل في اصطفاف الكواكب وانطفاء النجم ليس مجرد مشهد فلكي، بل استعارة لانطفاء القيم وتحوّل الضوء إلى ظلمة في العالم الإنساني. أما شجرة التين، فهي الكائن الذي اختار التعري في الربيع بإرادته، رمزًا للوعي الذي يتجاوز الزمان والموسم، وللكائن الذي يرفض الزيف في زمن الزهو. المغترب الذي استظل بها يمثل البراءة والصدق والاغتراب الإنساني في عالمٍ لا يحتمل المختلف، بينما الحارس هو تجسيد للسلطة الغافلة، تلك التي تظن أن الصمت ضعف وأن الألم تمثيل، فيبطش باسم النظام حتى يقتل الحياة نفسها. بكاء الشجرة هنا ليس صوتًا للطبيعة بل نداءً للضمير الإنساني الذي لم يعد يسمع سوى صوته الغاضب. موتها في النهاية ليس نهايةً بل تحقق نبوءة النجم الذي سطع قبل أن يموت، فكلاهما أضاء لحظة الوعي الأخيرة قبل الفناء. حين يقول الراوي إن شجرة التين أصبحت مثالًا يرويه عازف الربابة كل ليل، يتجاوز النص حدوده الواقعية ليعلن أن الذاكرة الشعبية تحفظ ما فني بالجسد وبقي بالمعنى. هذه القصة في جوهرها مرثية للعالم الذي يقتل ما يمنحه الظل، وللإنسان الذي لا يفهم أن الرحمة والوعي وجهان للنور نفسه.
سقوط بحرية… للأديبة إيمان العطيفي
في هذه الحكاية يعود الوطن ككائن حي يدخل الحلم ليوقظ ذاكرة الجسد والوجع، ليست زيارة عابرة بل محاكمة للزمن واعتراف بحضورٍ لم يغادر القلب رغم الغياب القسري، فالوصف الحسي لخبز الأم وقهوة المحوجة يجعل من الفقد ذاكرة معلّبة بالحواس، أما مشاهد العنف والتفجيرات فتعيد إنتاج الجرح الجماعي وتكشف كيف أن الحرب تصنع شهيدًا ليس فقط بلا قلب بل بذاكرةٍ محروقة؛ خطاب الراوي هنا يدمج الحميمي بالسياسي، الحنين بالمساءلة، ونداءه إلى «السيد الشهيد» يطرح سؤالًا أخلاقيًا عن الثمن الذي دفعه الناس مقابل حبهم للوطن وعن خسارة الأحلام بفعل القتل المزدوج؛ اللغة مشحونة بالشعر والنزف في آنٍ واحد، والنهاية التمردية ضدّ نقادٍ متدربين تُرجع النص إلى وعيٍ يرفض تصنيف الألم، النص ذا طاقة سردية عالية، يحمل أداءً شخصيًا مؤثّرًا ويستحق أن يُقرأ كمرثية وطنية تتساءل عن قيمة الوجود تحت نير العنف وتدافع عن حق الذاكرة في أن تبقى حيّة.
رويال سافوي… للأديبة إيمان العطيفي
في هذه القصة تنبض اللغة بعاطفة ناعمة تمزج الحنين بالقدر، فالفندق في لوزان ليس مجرد مكان إقامة بل مسرح لطقس وداعي بين الماضي والحنين. البطلة تسافر لتُنجز وعدًا قديمًا، لا بحثًا عن لقاء، بل لتضع نهاية أنيقة لعلاقةٍ لم تكتمل. تفاصيل الرحلة، من تذكرة الطيران إلى الفستان الوحيد، تكشف عن حجم التعلق الذي يجعلها تبيع كل ما تملك من أجل لحظة رمزية تُعيد التوازن لروحها. الجملة المركزية "هو ليس لي" تتحول إلى شعارٍ للقدر؛ إنها اعتراف بالحب الممنوع وامتلاك بالكتابة بدل الواقع. حين تدفع الظرف تحت الباب وتغادر، تصل القصة إلى ذروة الشاعرية حيث يتحقق الوعد من دون كلام، فالرجل الذي يظهر محتضنًا الديوان في النهاية ليس حضورًا جسديًا بل تجسيدٌ للوفاء المؤجل، للقاء الذي لا يحتاج لمسافةٍ ليكتمل. النهاية بدرجٍ يفصل بينهما تضع خطًا دقيقًا بين الحلم والحقيقة، بين ما نبلغه بالروح وما نعجز عنه بالجسد. القصة تقدم تأملًا رقيقًا في معنى الإخلاص، في الفن كوسيلةٍ للبقاء، وفي الحنين الذي لا يزول مهما بَعُدت المسافات.
* خلاصة تحليلية
كتابات إيمان العطيفي تمتاز بالقدرة على المزج بين الرمزية والفلسفة والسرد الواقعي، حيث تتحول التجارب الفردية إلى دروس إنسانية عامة. كل قصة رحلة بحث عن الحقيقة والوعي، عن الحرية والحب، عن البقاء والاستسلام. اللغة شاعرية وعميقة، تحمل رسالة قوية عن الوجود الإنساني، الصمود، والقدرة على الحب رغم الألم والفقدان. أعمالها تشكل جسرا بين الفن الروائي والفلسفة الحياتية، بين الفرد والمجتمع وبين الواقع والرمزية وتترك أثرا دائما على القارئ، مشعلا للتأمل الوجودي .
القصص موجودة على موقع جريدة منبر التحرير لمن يرغب فى متابعة هذة الأديبة صاحبة البصمة الخاصة بها جدا.