مساحة إعلانية
الوطن.. ذلك الكيان النابض فالوطن ليس مجرد خطوط علي خريطة أو مجموعة مباني. هو كائن حي نابض، وكلما كانت دعاماته قوية، كان أكثر حيوية وقدرة علي مواجهة التحديات، يرتكز الوطن علي الدعامات الأربع – الانتماء، الإخلاص، العمل، والتضحية – حيث تشكّل نظامًا متكاملًا لا يقوم أحدهما إلا بالآخر.
1. الانتماء: تلك الجذور التي تمتد في الأعماق
الانتماء هو الهوية والذاكرة الجمعية، هو ليس شعورًا آنيًا، بل هو عملية تراكمية تبدأ من الطفولة بقصص الأجداد، وروائح وأطعمة البيت، والأغاني الشعبية، ولهجة المكان. هو ذلك الحب الغريزي الذي يجعلك تشتاق لرائحة تراب وطنك ومذاق مائه حتي لو كنت في أفخر بقاع الأرض،
فكيف نعززه هذا الانتماء ؟
· التربية والوعي: غرس حب الوطن في الأجيال الناشئة من خلال التعليم، وزيارات المعالم التاريخية، ورواية سير الأبطال.
· المشاركة الإيجابية: عندما يشارك الفرد في شؤون مجتمعه (تطوع، أنشطة بيئية، مبادرات شبابية) يشعر بأنه جزء فاعل وليس مجرد مقيم، فيتعمق انتماؤه.
· الاعتزاز بالهوية: الاعتزاز باللغة العربية الفصحي كلغة قرآن وتراث، وبالعادات والتقاليد الأصيلة التي تميزنا، دون انغلاق علي العالم.
بدونه: يصبح الفرد منفصلاً عن محيطه، يشعر بالاغتراب داخل وطنه، وقد يبحث عن هوية بديلة أو يصبح عرضة للتيارات المتطرفة.
2. الإخلاص: النزاهة التي تبني الثقة
الإخلاص هو “الضمير” الذي يراقب العمل حتي عندما لا يراك أحد. هو أن تضع مصلحة الوطن فوق أي اعتبار شخصي أو مكسب ضيق. الإخلاص يجعل من العمل عبادة، ومن الوظيفة أمانة.
مظاهره في الحياة العملية:
· في القطاع العام: أن يؤدي الموظف عمله بأقصي كفاءة، دون انتظار رشوة أو محسوبية. أن يكون الطبيب أمينًا في تشخيصه، والمعلم مخلصًا في توصيل المعلومة، والقاضي عادلاً في حكمه.
· في القطاع الخاص: أن ينتج التاجر سلعة جيدة بسعر عادل، دون غش أو احتكار. أن يدفع صاحب العمل رواتبهم في وقتها، ويوفر بيئة عمل محترمة.
· في الحياة العامة: الحفاظ علي المال العام، وعدم إهدار الموارد (كالماء والكهرباء)، ونظافة الشوارع والمرافق.
بدونه: تنتشر الفوضى، ويفسد المجتمع، وتهدر الثروات، وتضعف ثقة المواطن بمؤسسات دولته، مما يؤدي إلي التدهور الاقتصادي والاجتماعي
3. العمل: الوقود المحرك للنهضة
العمل هو الترجمة العملية للانتماء والإخلاص. هو الجسر الذي يحول الأحلام والأفكار إلي واقع ملموس. الوطن لا يبني نفسه بنفسه، بل يبنيها العرق المتصبب من جبين أبنائه.
شروط العمل المنتج:
· الإتقان: أن تؤدي عملك بإحكام وإتقان، مستخدمًا أحدث الوسائل وأكثرها تطورًا. “إن الله يحب إذا عمل أحدكم عملًا أن يتقنه.”
· الإبداع والابتكار: لا يكفي أن نعمل، بل يجب أن نعمل بذكاء. تشجيع الابتكار في جميع المجالات (الطب، الهندسة، الزراعة، التقنية) هو ما يضع الأمة في موقع المنافسة عالميًا.
· العمل بروح الفريق: إنشاء الأوطان لا يمكن أن يكون فرديًا. تعاون العامل والطبيب والمهندس والفلاح هو ما يخلق نسيجًا متينًا للمجتمع.
بدونه: تبقي الأمة (استهلاكية) تعتمد علي غيرها، وتتخلف عن ركب الحضارة، ويغيب عنها الرخاء وتوفير الحياة الكريمة لأبنائها.
4. التضحية: الفداء الذي يضمن البقاء
التضحية هي ذروة الإيثار، حيث تقدم شيئًا ثمينًا (مثل وقتك، راحتك، مالك، أو حتي حياتك) في سبيل شيء أعز (وهو الوطن).
أشكال التضحية المتعددة:
· التضحية بالحياة: هي أشكالها وأعلاها، ويقدمها الجندي علي الحدود، ورجل الأمن في الداخل، والشهيد الذي يروي بدمه تراب الوطن.
· التضحية بالمال والجهد: أن يتبرع الغني لبناء مدرسة أو مستشفى، أن يتطوع الشباب لخدمة المجتمع، أن يعمل الباحث لساعات طويلة للوصول لاكتشاف يخدم بلده.
· التضحية بالرأي والمصلحة الشخصية: أن تتنازل عن منصب لشخص أكثر كفاءة، أن تصمت عن رأي قد يسبب فتنة ولو كان صحيحًا في ظرف معين، أن تتحمل المسؤولية في أوقات الأزمات (كالجائحات والكوارث).
بدونها: يصبح المجتمع أنانيًا، ينهار عند أول أزمة، ولا يوجد من يدافع عنه عندما تتعرض أمنه أو سيادته للخطر.
hyasser10@yahoo.com