مساحة إعلانية
ليس من السهل أن لا تتألم وأنت ترى قطعة صغيرة من العالم تنزف دما كل يوم، يخترق سكين غادر جسمها دون موعد، يفرغ غضبه في بطنها ثم ينسل ليعود غدا وبعد غد، كأمس وأول أمس؛ كنص مكرر لا يفقه نسقه وسياقه إلا إنسان لا يزال على قيد الحياة، يحتفظ بنبض قلبه، يطلق دموعه الحارة إلى العراء سخية، يشير ببنانه إلى موضع الألم .. إلى غزة.
أيّها الكاتب الإنسان.. آن لك أن تسمع تفاصيل الحكاية من الحجارة وكل الصوامت؛ فستلقي عليك ظلالا وتخط في عالمك الإبداعي سردية جديدة تسير على خطوطها العريضة، مؤمنا بالحق مصدقا به، مدحضا سردية فرضت عليك من غالب احتل عقلك وفكرك زمنا طويلا فكنتَ من الواهنين الواهمين.
في تلك الأرض المحاصرة، ظلما وعدوانا، عباد يحبون الحياة، يعيشون تفاصيلها كأنهم الخالدون، يدافعون عن أرضهم الطيبة بكل وسيلة بين أيديهم، موقنين بأنهم منتصرون في نهاية الطريق وأنهم الباقون؛ أما رأيت كيف يفرحون في أعراسهم تحت صوت القنابل والطائرات التي سكنت سماءهم، يرقصون ساخرين من هذا العالم الذي لم يفقه تعريف الزمان والمكان؛ فساعاتهم ودقائقهم طويلة لا يدرك معانيها أحد غيرهم؛ فالحياة شعور بها، والأرض بساط كبير ممتد لا حدود له؛ في ليلة وحيدة يزرع الله في رحم العروس بطلا يرفع الراية من جديد، يجمع أبناء الأرحام الأخرى ليواصل المسير؛ أنظر إلى ذلك الطالب المفاخر بعلومه وهو يناقش رسالته تحت خيمة مقطعة، تعبث بها الريح العاتية كما تعبث بكلماته أمام الحاضرين الذين ابتسموا في وجهه المتطلع إلى غد مشرق بين رماد شوه وجه المدينة.
يمكنك أن تقتبس نصك من وجوه هؤلاء. قد يتهمك المستلَبون بأنك كاتبُ خيال علمي، تقفز بقلمك بين الكواكب المجهولة، تصطحب أشخاصا غير آدميين، لا تنبض قلوبهم مثلنا، أو أنك غرابيّ وعجائبيّ بعيدٌ عن الواقع، تزرع شكا في نفس القارئ يتخطفه الذهول. أكتب؛ فكل ما هو أمامك واقع..فلتخرج كلماتُك حيةً ويخرج هؤلاء أحياء من تحت رماد!