مساحة إعلانية

مساحة إعلانية

منبر

قضايانا

خريطة الصراعات بين فرنسا وروسيا علي الأميرة السمراء

2023-08-15 18:26:29 - 
خريطة الصراعات بين فرنسا وروسيا علي الأميرة السمراء
صورة ارشيفية

إيمان بدر تكتب:

❐ خفايا الانقلابات الحالية في وسط وغرب القارة ولماذا تدخلت موسكو وبكين في هذه المناطق

❐ اقتصاد فرنسا يعتمد علي ثروات أفريقيا

فرنسا تلوح بالتدخل العسكري في النيجر لإعادة الرئيس المنتخب، الذي يصفه الانقلابيون بأنه عميل فرنسا علي رأس بلادهم، وبوركينا فاسو ومالي ترفضان التدخل وتعلنان أنه بمثابة حرب عليهما، بالتزامن مع ذلك تبرز علامات استفهام من نوعية وما علاقة فرنسا الآن، بدول افريقيا التي كانت قبل قرون مستعمرات فرنسية، إذا كانت بلد النور ضاقت باللاجئين والوافدين المهاجرين إليها من أصول افريقيا بالرغم من أنهم يحملون جنسيتها بل وغالبيتهم ولدوا وتربوا فيها، فهل من المنطق أن تتطلع إلي إعادة الوافدين إلي بلادهم وطردهم من عاصمة الفن وفي الوقت نفسه تمتد يد باريس لتعبث داخل مستعمراتها القديمة وتتوق لإعادة فرض نفوذها عليها، بينما تتشدق حكومتها الحالية بالحريات والتحرر ودعوات الاستقلال والسيادة لكل دولة، بل وبدأ رئيسها الحالي ايمانويل ماكرون عهده بعبارة (كفانا إعطاء الآخرين دروساً) في إشارة إلي انتهاء عصر التدخل العسكري والسياسي في شئون الدول ومحاولة زرع الفتن وخلق الصراعات تارة أو تعيين رؤساء بدرجة عملاء تارة أخرى.
وفي ظل هذه الأجواء تداول رواد مواقع التواصل الاجتماعي بوست كوميدي ساخر يظهر فيه الديك الفرنسي يأكل ويتغذي من إناء علي شكل قارة أفريقيا، وتحته معلومات عن أبرز واردات فرنسا من دول افريقيا والتي تتمثل في استيراد أو بالأدق الحصول علي الذهب من غينيا والخشب من الكونغو والبترول من الجابون والكهرباء من يورانيوم النيجر وكابلات الإنترنت والمحمول من الكونغو والحديد من موريتانيا، وحتي حين استطاع احفاد نابليون بونابرت أن يفوزوا في بطولة كأس العالم لكرة القدم حملوه بأيدي وأرجل لاعبين من أصول أفريقية، ليبقي السؤال هو هل بالفعل تتمسك فرنسا بنفوذها في افريقيا وهل الانقلابات الحالية يقف وراءها حركات شعبية وطنية تسعي للتحرر من السيطرة الفرنسية علي الثروات والموارد الأفريقية وهل هناك دول خارجية تدعم هذه الحركات، هي بالتحديد روسيا والصين وكلتا الدولتين تنافسان فرنسا علي التواجد في افريقيا وتقدما عروض تتميز بالبعد عن التدخل السياسي والعسكري والاكتفاء بالشراكة الاقتصادية والدعم الانساني والثقافي، وهو أمر ليس ببعيد عن القمة الروسية الأفريقية الثانية التي استضافها الرئيس الروسي فلاديمير بوتين مؤخراً .
وبالعودة إلي تاريخ الجمهورية الفرنسية حاملة رايات الحريات والإخاء والمساواة المزعومة نجد أنها ظلت جاثمة علي صدر الدول الإفريقية منذ منتصف القرن السادس عشر واكملت سيطرتها عام ١٨٨٥، وفي هذا العام أصدر مؤتمر برلين قراره بتقسيم افريقيا إلي محميات بلغت مساحة المستعمرات الفرنسية فيها ٣ ملايين ميل مربع، ومن أجل احكام سيطرتها أقامت أكثر من مئة قاعدة عسكرية، وحتي بعد تحرر الدول الإفريقية من هيمنة الاستعمار الفرنسي برعاية نظام ثورة يوليو المصري في الستينيات ظلت فرنسا تحتفظ بنحو ٧ قواعد عسكرية حتي وقت قريب.
ولأن الحرب حالياً حرب اقتصادية بالأساس حافظت فرنسا علي نفوذها داخل الدول الإفريقية الغنية بموارد معينة، من بينها علي سبيل المثال دول غرب أفريقيا المعروفة بتجمع الايكواس، ويمتد النفوذ الفرنسي من غرب أفريقيا وشمالها إلي جيبوتي شرقاً وجنوب أفريقيا وجزر القمر ومدغشقر جنوباً.
وترجمت باريس هذا النفوذ إقتصاديا بأن فرضت علي الأميرة السمراء اتفاقيات تربط اقتصاد دولها بالاقتصاد الفرنسي، ويكفي أن افريقيا تضخ سنوياً ٨٥٪ من احتياطاتها النقدية في البنك المركزي الفرنسي، بما يعادل ٥٠٠ مليار دولار سنويا.
ولكن دوام الحال من المحال حيث عادت روح الصحوة والتحرر تدب في الجسد الأسمر الذي انهكه استغلال البيض، فاعلنت دولة مالي قطع علاقاتها بفرنسا منذ انقلاب عام ٢٠٢٢، أما بوركينا فاسو فقد طالبت مطلع العام الجاري باستبدال السفير الفرنسي لتدخله في شئونها بل وطالبت بمغادرة القوات الفرنسية أراضيها، علما بأن كلتا الدولتين مالي وبوركينا فاسو جارتا النيجر ومن ثم اعلنتا في بيان مشترك رفضهما التلويح الفرنسي بالتدخل العسكري في النيجر لإعادة من يطلقون عليه الرئيس المنتخب.
ليبقي السؤال هو هل خرجت هذه الحركات التحررية من رحم صحوة وطنية حقيقية أم أن الدعم الروسي والصيني لدول افريقيا شجعها علي أن تتمرد علي سيطرة أوروبا وامريكا، والسؤال الأهم هو هل تظل روسيا والصين مكتفيتان بالتعاون الاقتصادي والتبادل التجاري مع الأميرة السمراء أم ستخرج من عباءة الغرب الأوروبي إلي عباءة النمور الآسيوية والقياصرة الجدد، والسؤال الاكثر خطورة متي تعود مصر بقوة تليق بها إلي هذا المسرح الساخن باحداثه المتسارعة وثرواته المتدفقة.

مساحة إعلانية