مساحة إعلانية

مساحة إعلانية

منبر

الرأي الحر

حين يُنافس الصغار الكبار..هل نحتاج دولة تلاوة أم دولتين؟ بقلم: شحاتة زكريا

2025-11-16 09:11 PM - 
حين يُنافس الصغار الكبار..هل نحتاج دولة تلاوة أم دولتين؟ بقلم: شحاتة زكريا
شحاتة زكريا
منبر

في زحام الضوضاء اليومية وبين مشاهد الحياة التي لا تهدأ ظهر على شاشاتنا مشهد مختلف… مشهد نقي صاف يرد الروح ويعيد للقلب اتزانه. مشهد لا علاقة له بالسياسة ولا الاقتصاد ولا الجدل المعتاد. إنه مشهد دولة التلاوة… تلك المسابقة التي أعادت للبيوت عبق الخشوع وفتحت للأذن نافذة على زمن العمالقة.

من يتابع المسابقة يدرك أن مصر — مرة أخرى — تُثبت أنها ليست فقط بلد الأزهر بل بلد الأصوات الخاشعة التي ترث من المنشاوي وعبدالباسط والحصري شيئا من سر الخشوع… وشيئا أكبر من صدق التلاوة. المواهب التي ظهرت هذا العام مذهلة بحق أصوات نادرة قلوب معلقة بالقرآن وأداء يفوق أعمار المتسابقين.

لكن — وهنا السؤال الذي لا بد أن يُطرح — هل من العدل أن نضع الأطفال جنبا إلى جنب مع الكبار في ميدان واحد؟ هل من المنصف أن نضع خبرة العشرون والثلاثون عاما في كفة وصوت طفل ما زال في طور التكوين في كفة أخرى؟

في عالم المقامات الصوت ليس مجرد موهبة… بل عمر وتجربة ونضج عضلي ومهاري. الكبار يملكون وعيا كاملا بالمقامات وحفظا أعمق وسيطرة أدق على مخارج الحروف ونَفَس التلاوة. أما الأطفال فهم طاقات نور لا خلاف على جماله لكن أصواتهم ما زالت تتشكل وطبقاتهم تتغير وأحلامهم أكبر من أعمارهم.

فهل يجوز أن نضع الاثنين على منصة واحدة تحت معيار واحد؟

من تابع ردود الجمهور سيجد السؤال نفسه يتردد في التعليقات: الموهبة شيء… والمقارنة شيء آخر.
وليس هذا انتقاصا من الأطفال — بل العكس — لكنه دعوة لإنصافهم وحمايتهم لأن بعضهم يمتلك خامة صوتية لو رُعيت جيدا قد يصبح بعد سنوات أحد كبار المقرئين في العالم.

ربما آن الأوان للتفكير في الأمر بعمق:
لماذا لا تكون هناك دولتان للتلاوة داخل المسابقة نفسها؟
دولة للكبار ودولة للصغار مثلما تفعل مسابقات عالمية تحترم التطور الطبيعي للصوت البشري.
بهذا نحفظ العدالة ونمنح كل موهبة المساحة التي تستحقها دون أن تظلم فئة أو تُحمَّل فوق طاقتها.

هذه ليست مطالبة… بل رؤية.
ورؤية تستحق أن تُطرح أمام معالي وزير الأوقاف الجهة الأكثر حرصا على تطوير هذا المجال وحماية أصوات مصر القادمة. فالمسابقة اليوم أصبحت مشروع دولة ومصنعا لاكتشاف المواهب ونافذة تطل منها مصر على العالم بصوتها الخاشع الذي لا يشبه أحدا.

إن ما نشهده اليوم ليس برنامجا تليفزيونيا… بل موجة نور.
وإذا كانت مصر تملك هذه المواهب رغم صغر أعمارها فما بالك بما يمكن تحقيقه حين يُنصف الجميع ويُمنح كل صوت المساحة اللائقة بعمره وقدرته؟

في النهاية تبقى دولة التلاوة واحدة من أنقى ما ظهر على الشاشات مؤخرا… برنامج يعيد إلى الأمة روحها ويؤكد أن القرآن حين يُتلى بصدق لا يحتاج إلى مؤثرات ولا موسيقى ولا شهرة. يحتاج فقط إلى صوت طاهر… وبيئة عادلة.

ومصر — كما نراها اليوم — تملك الاثنين.

مساحة إعلانية