مساحة إعلانية

مساحة إعلانية

منبر

الرأي الحر

تركيب الوعاء النووي بداية عهدٍ نووي بقلم محمد فتحي السباعي

2025-11-19 12:02 PM - 
تركيب الوعاء النووي بداية عهدٍ نووي بقلم محمد فتحي السباعي
محمد فتحي السباعي
منبر

في لحظة تاريخية فاصلة، تستقبل مصر بوابةً جديدةً من طموحها الحضاري: تركيب “وعاء المفاعل النووي” في محطة الضبعة للطاقة النووية. هذا الحدث ليس مجرد إنجاز هندسي، بل هو إعلان علني عن تحول استراتيجي في مسار الطاقة المصري، وطريق نحو استقلال طاقي واقتصادي ورؤية مستقبلية.

ما هو “الوعاء النووي” ولماذا هو مهم؟

الوعاء النووي (Reactor Pressure Vessel – RPV) هو قلب المفاعل النووي:

بداخله يقع “النواة النووية” (core) حيث تحدث التفاعلات الانشطارية. 

يتحمّل ضغوطًا ودرجات حرارة عالية جدًا، ويجب أن يكون محكم الغلق لضمان الأمان. 

هو مكوّن أساسي في البنية التحتية للمفاعل النووي؛ دون تركيب هذا الوعاء، يبقى المشروع نظريًا وليس محطّ تشغيل فعلي. 

وصل هذا الوعاء إلى موقع الضبعة بعد رحلة بحرية طويلة من سانت بطرسبرج على سفينة متخصصة، بوزن يفوق 330 طنًا. 

 لماذا هذا الإنجاز يعني الكثير لمصر؟

أ. استقلال في الطاقة

تُعد الضبعة أول محطة نووية تجارية في مصر. 
بإنجازها، تتجه مصر نحو تنويع مزيجها الطاقي، وتقليل الاعتماد على الوقود الأحفوري، خصوصًا الغاز.
هذا يمنح الدولة قدرة أكبر على مواجهة ارتفاع الطلب الكهربائي المستقبلي بموارد نظيفة ومستدامة.

 رؤية استراتيجية وطنية

المشروع يعكس رؤية القيادة السياسية بقيادة الرئيس عبد الفتاح السيسي في بناء قدرات استراتيجية بعيدة الأمد.
وفق ما صرّح به مسؤولون، التركيب ليس مجرد تنفيذ تقني، بل “تعبير عملي عن قدرة مصر على بناء قدراتها النووية السلمية” والتعاون الدولي المتقدم. 

أمان نووي متقدم

لا يقتصر المشروع على إنتاج الطاقة فقط، بل يأتي مزوّدًا بعناصر أمان متقدمة:

وجود core catcher (مصيدة قلب المفاعل) تحت الوعاء النووي تحسبًا لأي طارئ في حال ذوبان القلب، وتقف كدرع أمني يمنع انتشار المواد المشعّة. 
الأجزاء المعدنية والبنية التصميمية مصمّمة لتحمل الضغوط الحرارية والميكانيكية بكفاءة عالية. 

الأبعاد الاقتصادية والتنموية

من المتوقع أن تُساهم محطة الضبعة النووية في إنتاج كهرباء ضخمة (الوحدة الواحدة بقدرة 1200 ميجاوات من نوع VVER‑1200) 
إنشاء المحطة يعني نقل خبرة تكنولوجيا نووية إلى المهندسين المصريين، وبناء رأس مال بشري قادر على إدارة مشروع حيوي استراتيجي.
المشاريع النووية، رغم تكلفتها المرتفعة أولًا، تمثل استثمارًا طويل الأجل وقيمة مضافة كبيرة للدولة من حيث الأمان الطاقي والتقني.

مخاطر وتحديات

لا يمكن تجاهل التحديات المرتبطة بأي مشروع نووي:
التكلفة: المفاعل والمكونات النووية الأساسية (كالوعاء النووي) مكلفة جدًا من الناحية التصنيعية واللوجستية.
إدارة النفايات: يجب وجود خطة واضحة لإدارة الوقود المستهلك والنفايات الإشعاعية بطريقة آمنة ومستدامة.
الرقابة الدولية: لابد من الالتزام بمعايير وقواعد المنظمات الدولية لضمان الاستخدام السلمي للطاقة النووية 
الثقة المجتمعية: بناء الثقة عند المواطنين يتطلب شفافية كاملة في مراحل البناء، التشغيل، الأمان والتخلص من النفايات.

 دلالة سياسية ورمزية

تركيب هذا الوعاء النووي يحمل رسائل رمزية وسياسية قوية:

رسالة سيادية: بأن مصر قادرة على بناء بنية تحتية للطاقة متقدمة، وتعزيز سيادتها التقنية.

شراكة دولية: تنفيذ المشروع يتم بالتعاون مع روسيا (شركة روساتوم)؛ ما يعكس شراكة استراتيجية بعيدة الأجل. 
تحويل الطموح إلى واقع: ما كان حلمًا نُوقش لسنوات، يتحوّل اليوم إلى واقع ملموس، مع وصول مكونات حيوية إلى أرض مصر.

 فرحة وطنية وتحدي تاريخي

إن تركيب “الوعاء النووي” في محطة الضبعة ليس مجرد إنجاز تقني؛ إنه بداية عهد جديد لمصر: عهد الطاقة النووية السلمية، والاستقلال الطاقي، والرؤية الوطنية طويلة الأجل.
هذه اللحظة تستحق الفخر، لأنها تمثل انتصارًا للإرادة، وتحقيقًا لرغبة في التقدم والتحديث.
لكن الطريق الآن أمام تحدياتٍ حقيقية: الأمان النووي، الإدارة الشفافة، وضمان أن تكون هذه الطاقة نعمةً لكل المصريين، لا عبئًا عليهم.

مصر اليوم لا ترقص فقط فرحة بتقدمٍ تقني؛ إنها تصنع مستقبلها بنفسها، تزرع فيه الأمان والطاقة، وتعلن للعالم أنها قادرة على الابتكار والمسؤولية في آن واحد

مساحة إعلانية