مساحة إعلانية
تمزق أوصاله، تستبيح كرامته تحت النعال، تخنق أحلامه، في منطقة شهوة التسلط والتحكم المفرط، التي تشبع جنون كبرياءها ك أنثي، ونسيت رسالتها كأم، الانتقام لديها إسقاطه علي الابن الأكبر من الزوج التعيس، سواد الليل، متعتها في تنغيص حياة ابنها الأكبر، لتجلده بكرباج البطالة، ونسيت أنها قضية شباب الجيل، تغتال موهبته الشعرية، بسيف الفشل الذريع، لأنه لم يجاري الموجة، في زمن الأغاني الهابطة وإفساد الذوق العام، شيخوخته المبكرة، رغم أنه في ريعان الشباب، كانت عصارة عصفور نار يحترق بآلام الآخرين ليصبح موال الناي الحزين، كانت أمه هي النار التي تكويه أناء الليل وأطراف النهار، كانت وقود بركان يغلي داخل جسده النحيف الذي تأكله أمراض الدنيا وصراع رجل الأقدار والقيمة مع أباطرة صناع الجوع والألم، في زمن الجفاف، كان كالشجرة العتيقة، التي تساقطت أوراقها في عز الربيع الطلق، هجرتها عصافير الحب وكروان الندي في عز الصباح وطيور العشاق، تحول إلي شبح إنسان، لم تبقي منه إلا ذكريات أليمة، يمسك بمرآة الحياة التي تغوص به في قاع ذكريات الطفولة المعذبة، عندما كانت تدوس أمه علي رأسه ب احدي قدميها، عقابا له علي تقويم أخيه الأصغر، الذي كان يدمن الكذب كمن يدمن الكحول والمخدرات، كانا يتصارعان دوما كقضبان متنافران لا يمكن أن يسير عليهما قطار الحياة، الأخ الأكبر يرتدي ثوب الفضيلة والمعرفة والابتكار، والأصغر ثوب الرذيلة، كيف تعيش الحمامة في عش الثعلب ؟ كيف يعيش الغزال في عرين الأسد ؟ كان الأخ الأصغر يستولي عنوه بكل بجاحه علي كل ما يشتريه من حبات عرق العمل أمام لهيب النار ودخان الصمت في مصنع الزجاج ليل نهار، في طفولة تنزع منها البراءة كما تنزع الروح من الجسد، وتصلب علي أبواب معابد كهان المال، وترزيه القوانين، لصالح رجال الأعمال، الذين يمصون دم العمال، حتي ولو كانوا أطفال، يسرقون زهرة الطفولة والشباب، في عز ربيع العوز والحاجة، كانت الأم المتسلطة تنتصر لمطامع الابن الأصغر علي حساب غزالة الحياة، لتستبيح - ولا مؤاخذه - رقبته تحت أنياب الغيرة والغل والحسد ذلك المكمون التراكمي ليس في جسد الأخ الأصغر وحده بل في وجدان وأوصال الأم، وهذا ما كان يؤلمه ويترك جراح غائره في نفسه ليكرر نفس السؤال العقيم : هل هي أمه فعلا أم أنه ابن ملجأ الأيتام وتبنته عندما كانت لا تنجب بعد سنوات طويلة من الزواج؟ إنه لا يدري سوي أنها كانت تمزق أشعاره، ورقة ورقة، تسخر من موهبته، التي لا تأكله حتي عيش حاف، ليعيش جفاف الحياة، علي شجرة بركان الغضب، كانت زيارة خاله الأكبر- ولا مؤاخذه - إلي بيت أمه (لأن أبيه كان طرف يمينها وقطعة شطرنج تحركه كيفما تشاء فوض أمره لله بعد أن أثبت له الزمن أنها لن تتنازل عن جحيم تسلطها وتحكمها فضحي بكرامته ورجولته حتي يصل بطفليه إلي شاطئ الأمان) تتحول إلي مسلخه لذبحه كالشاه، وكيف أن زملاؤه ممن يحملون نفس مؤهله العالي يعملون في البنوك بمرتبات خيالية، وتناسوا عمدا في زمن الواسطة والمحسوبية والرشوة أنه "لا مكان للمبدعين" ! في كل زيارة جديدة يعيش الخال علي مص دم ابن الأخت الصغري، في حفلة نميمة وسخرية، يكويه بنار البطالة التي تحرق شباب الجيل، بدلا من أن يفرد له جناح الأمل علي طائر النجاة، يتفاخر في المجالس بأنه دفع رشوة كبيرة لتعين نجله في احدي شركات البترول الكبري بمرتب خيالي لا يحصل عليه عالم وأستاذ جامعي، في زمن الوباء أصبح كل شئ مباح ! في المرحلة الجامعية، كبرت معه موهبته الشعرية، لتفيض بالرومانسية الحالمة، في عالم ملئ بالغموض والأسرار، أحبها، كانت زميله له في الكلية، ظن أن وضاءة وجهها كالقمر كالشمس نور يغزو قلوب العاشقين، في عالم رومانسي، يعيش علي كلمات الغزل والحب، كان كظلها، يلاحقها في كل مكان، داخل المدرجات وخارجها، يمنعه حياءه الشديد، من أن يقترب منها، وكأنها حقول ألغام، الفارق الاجتماعي الرهيب بينهما، تحول إلي جدار عازل، وسجان للعاشق الولهان، نصحه بعض الزملاء، من أن يغامر ويفجر تلك الحقول، ويعترف لها بأنه قيس هذا الزمان ويري فيها ليلياه، اقترب منها، فاحترق بنار كبرياء فتاة جامعية، تجمد الحب عندها، في ثلاجة الثراء الفاحش والسريع، حولته إلي حدوته وجع، تبكي الوسط الجامعي، نهرته، وسط مجموعة من زميلاتها، في الحرم الجامعي، جلدته بكرباج الفارق الاجتماعي، قالت له : "أنت مش عارف بتكلم مين ؟ . . أنا مبكلمش واحد مش من مستواي" . . ونظرت إليه نظره فوقية، عنجهية، ومتعجرفة، تجول وتصول في هندامه، التي تفضح فقره المدقع، وحالة البؤس التي تمرح في أرض حياته البور، كانت كلماتها وسخريتها من حبه وفقره، أشد وطأة من أزير القنابل وطلقات الرصاص، أصابت جسد الحقيقة العارية، وفضحت كذب الروايات الرومانسية الخالية من الواقع، لتغوص بنا في وهم كبير، بزعم أن الحب الحقيقي يذيب كل الفوارق الاجتماعية، هكذا تعلم من قراءته لهذه الكتب، التي نسجت خيوط مأساة نهاية "الحب الكبير" لم تكتف تلك المتعجرفة، بإسقاط أوراق شجرة الحياة الخضراء، في عز الربيع الطلق، لتجردها من كل معالم ومقومات الحياة الطبيعية، بل فاجأته ب "بلاغ رسمي" لحرس الجامعة تتهمه فيه بمطاردته لها في كل مكان، خنقت الحب الصافي، في أرض العطش والجفاف، وسجنته خلف قضبان الحقيقة العارية، قال له رئيس الحرس الجامعي عندما استدعاه كلمات رسمت له طريق المستقبل المشرق بعد أن حطم كل قيود وأغلال السجان : "يا بني لا تستاهل أي أنثي أن تضحي بمستقبلك من أجلها!" كان قائد الحرس الجامعي يملك من الإنسانية ما لم تملكه أنثي عشقها "طائر الحب الحزين" أنار له طريق الظلام في عالم سرمدي غريب لا يؤمن بالحب لكنه يؤمن بالقوة والمال! . . تذكر حبه الأول عندما كان في البكالوريا وكانت هي في المرحلة الإعدادية شغفها عشقا من النظرة الأولي جمعت بينهما صلة قرابة ما شجعه لأن يطلب يدها من شقيقتها الكبري المتزوجة في نفس البلدة بينما كانت حبيبته من بلدة مجاورة وتأتي لزيارة شقيقتها الكبري في إجازة نهاية العام الدراسي عقد لسانه هول المفاجأة ذبحته بسكين صلد استباحت لحم الغزال الجريح قالت له : "أقدمك للأسرة بصفتك عاطل" . . أما أمه سليطة اللسان وعمياء البصيرة والقلب فقالت له : "بقي يا فاشل عايز تتجوز كمان" . . أما أبيه فقال له : "اتجوز يا ابني وأصرف عليك وعليها" . . بركان الذكريات الأليمة في نهاية المطاف خلقه من جديد في شكل "مجذوب" يسير هائما في دروب الحياة بحثا عن عالم خيالي أخر ملئ بالحب والرومانسية لم يجده علي أرض غيلان البشر !.