مساحة إعلانية

مساحة إعلانية

منبر

المبدعون

الكاتبة همت مصطفى وحوار مع مبدع إنسان مع الشاعر فضل محمد إبراهيم

2025-09-13 19:43:29 -  تحديث:  2025-09-13 20:22:05 - 
الكاتبة همت مصطفى وحوار مع مبدع إنسان  مع الشاعر  فضل محمد إبراهيم
حوار مع مبدع إنسان
منبر

 المقدمة

في زمنٍ تتكسّر فيه الأصوات على عتبات الضجيج، يصرّ أن يكون صوت الأصل، لا رجعًا للموجة.

شاعرٌ من صعيدٍ يعرف أن الكلمة ليست زينة، بل نارٌ وماء، ووصيةُ جدٍّ لابنه في الغياب.

ابنُ المنيا الذي سار بين الحقول والقصائد، تارةً فصيحًا كحبر الكتاب، وتارةً عاميًا كوجع البسطاء.

أبدع في المربع، والموال، وفن الواو، والتلتاوي... وكأنه يعيد تشكيل الذاكرة الجمعية للمصريين.

وأنشأ "سامر ابن عروس" ليكون بيتًا لفنٍّ آمن به، تمامًا كما يُقيم المزارع عريشًا لنخلة كي لا تنكسر.

في هذا الحوار، لا نكتفي بسبر أغوار الشاعر فضل محمد إبراهيم، بل نغوص في وجدان الإنسان، وضمير المثقف، وحلم المناضل بالكلمة، وهو يحدثنا عن الفن، والحياة، وفلسطين، وعن الوطن الذي يسكن القصيدة قبل أن تسكن هي دفاترنا.

التكوين والبدايات

▪ نود أن نسمع من حضرتك عن رحلتك، وأبرز محطاتك، ومؤلفاتك، وأعمالك التي تعتز بها؟

▪️ رحلتي بدأت في قريتي بني غني/سمالوط/المنيا، حيث سمعت أهازيج أمي وأغانيها للطيور، فاعتادت أذناي على الكلام المموسق. وكان أبي رحمه الله يعشق الراديو وبرامجه، فتعزز ارتباطي بالكلمة. بدأت نظم الشعر في المرحلة الإعدادية، وعرضت قصائدي في الثانوية على زملائي منسوبةً لغيري حياءً.

أبرز المحطات:

حلقة كاملة ببرنامج "مواهب في شمال الصعيد" عام 1990.

المركز الثاني بمسابقة الشباب والرياضة 1992.

عملي في أسيوط ومشاركتي بأمسياتها والتعرف على كبار شعرائها.

الفوز بالمركزين الثاني (1994) والأول (1995) في مسابقات قصور الثقافة.

إنشاد الشيخ إبراهيم البدراوي لقصيدتي "أنشودة الألم"، ثم لقائي بالشيخ ياسين التهامي.

انتقالي للقاهرة 1996 والمشاركة في المنتديات مثل جماعة الفجر، وملتقى الأربعاء، وتأسيس "ملتقى عين شمس الأدبي".

تدشين صفحة "سامر ابن عروس" 2015 وتحويلها إلى أمسيات واقعية بعين شمس.

فوز ديواني "خربشات في فن الواو" بالمركز الأول (2016).

الإشراف على صفحتين بجريدة "عيون الحرية" وتنظيم مهرجانات وندوات.

مؤلفاتي: سبعة دواوين بين الفصحى والعامية، ورواية "بني غني.. شرق البحر اليوسفي". لم يُنشر سوى "خربشات في فن الواو".

وأعتز بجميع أعمالي لأنها جزء مني.

▪ وُلدتم في قرية بني غني بمحافظة المنيا عام 1968، ما الذي تركته تلك البيئة الريفية في وجدان الطفل فضل؟

▪️ البيئة الريفية شكلت وجداني؛ كنت أصحو على أصوات العصافير والديكة، وأمي تهدهدني بأغنياتها. ومع كِبري اكتشفت الحقول والترع والبحر اليوسفي، ومراكب المراكبية لعبورنا لبيت جدتي. عيني كانت تسجل، وأذني تحفظ، وقلبي يتشرب، فكوّنت هذه المشاهد قاموسي الأول.

▪ كيف أثّرت دراستك في قسم اللغة العربية بجامعة المنيا على وعيك بالشعر، لغةً وأسلوبًا؟

▪️ قبل الجامعة، لعبت دراسة الأدب وعلم النفس في الثانوية دورًا مهمًا في تشكيل وعيي بالشعر. ثم جاءت كلية الآداب بالمنيا لتصقل هذه الموهبة عبر مكتبتها الثرية وأساتذتها مثل د. عبد الحميد إبراهيم، د. محمد أبو دومة، ود. أحمد السعدني، حيث أتاحت لي الاطلاع على المدارس الشعرية والنقدية الحديثة، سواء اتفقت معها أو اختلفت.

▪ هل كان للانتقال من المنيا إلى أسيوط ثم القاهرة أثر في نضجك الشعري وتعدد تجاربك الفنية؟ كيف تنظر إلى هذه المحطات الآن؟

▪️ انتقالي لأسيوط كان محطة مؤثرة؛ هناك تعرفت على شعراء كبار من أنحاء الجمهورية عبر مهرجانات نوادي الأدب، خاصة نادي أدب قصر ثقافة "أبي تيج" بقيادة الشاعر الراحل شوقي محمود أبو ناجي، الذي صنع من القصر منارة ثقافية حقيقية. ثم جاء انتقالي للقاهرة بدعم من شوقي أبو ناجي، فكان لذلك دور كبير في نشر تجربتي وإثرائها. هذه المحطات صارت جزءًا لا ينفصل من مسيرتي.

التجربة الأدبية والفنية

▪ تكتب الفصحى والعامية والمربع والموال والتلتاوي والأغنية... ما الذي يمنحك القدرة على التنقل بين هذه الأشكال بسلاسة؟ وهل ترى أن لكل فن جمهوره المختلف؟

▪️ الفصحى تاج الكلام، وهي التي فتحت لي باب الإبداع. وبرأيي، الأديب الحقيقي يجرب كل صنوف الكتابة، وقد كتبت القصة والرواية أيضًا. من يتقن الفصحى يمكنه أن يبدع بالعامية إذا كان معجمه ثريًا وانغمس بين الناس.

أما الفنون القولية مثل الواو والموال والمتلوت والنميم وخانة الثلاثي، فقد شدتني لما فيها من إيقاع وسبك دقيق، وهي فنون النحت بالكلمات. وفن الواو بالذات مسؤولية وانتماء وطني، يوثق مفردات عامية جنوبية بعضها اندثر وبعضها في طريقه للاندثار.

لكل فن جمهوره، لكن الفنون القولية وجدت مساحة أكبر بفضل جهود فرسانها وإصرارهم، سواء عبر معارض الكتاب أو المهرجانات أو الإعلام. ولا يمكن أن أنسى دور الشاعر الكبير عبد الستار سليم، باعث فن الواو، بكتبه وأبحاثه وبرنامجه "شعبيات" مع المخرج إسماعيل الشيشيني على القناة الثامنة (قناة طيبة لاحقًا). البرنامج الذي استمر لسنوات، ويقدمه حاليًا الإعلامي عبد الله الأنصاري ويخرجه حسين الوقفي، كان نافذة مهمة لنشر فن الواو واكتشاف مواهب، وتشجيع شواعر صعيديات على الظهور.

▪ ما الفرق الجوهري الذي تشعر به وأنت تكتب بالفصحى، وبين ما تكتبه بالعامية أو الأشكال التراثية؟

▪️ الإبداع حالة وجدانية، سواء بالفصحى أو العامية أو الفنون القولية. الفرق في المذاق فقط؛ كل لون يترك أثرًا مختلفًا في نفسي وفي المتلقي. أما الفنون التراثية فهي التزام وانتماء لتوثيق مفردات شكّلت وجداني، وحمايتها من الاندثار واجب نحو هويتي الثقافية والبيئة التي أنجبتني.

▪ ديوانك "خربشات في فن الواو" حاز على جائزة مهمة. ما الذي يمثله لك فن الواو؟ وهل تراه فنًا مظلومًا نقديًا؟

▪️ فن الواو فن مصري خالص وهوية ثقافية محلية يجب الحفاظ عليها. "خربشات في فن الواو" جمع تجاربي الأولى منذ تعرّفت على الفن أواخر الثمانينيات، وبدأت كتابته في منتصف التسعينيات بأسيوط بعد لقائي بالشاعر الكبير عبد الستار سليم في أحد مهرجانات نادي أدب أبي تيج، فتوثقت الصلة بيننا.

في العقدين الأخيرين بدأ فن الواو يأخذ مكانته بفضل فرسانه المخلصين، لكن الأكاديميين لم يولوه حقه بعد في الدراسات أو الرسائل العلمية، رغم أنه يستحق. وأتوقع أن يحدث ذلك مستقبلًا، خاصة وأن الحركة النقدية عمومًا تمر بمرحلة غير مرضية.

 سامر ابن عروس... مشروع حياة

▪ أنشأتَ "سامر ابن عروس" لفن الواو. ما الذي دفعك لتأسيس هذا الكيان؟ وهل هو مشروع ثقافي أم مسؤولية تراثية؟

️▪"سامر ابن عروس" تأسس بشراكة مع صديقين شاعرين كبيرين، وهو مشروع أدبي ثقافي بالأساس، لكنه في الوقت نفسه مسؤولية أخلاقية تجاه التراث. هدفنا نشر وتعليم هذا الفن ورعاية المواهب الشابة الطامحة إلى الإبداع في هذا اللون الجمالي الأصيل.

من أبرز فعاليات السامر "السجال الأسبوعي" الذي يحتضن الفنون القولية الشفاهية مثل: الواو، المتلوت، الموال، خانة الرباعي، وفن النميم. وهناك أيضًا "الورشة الأدبية" التي ضمت كبار النقاد والمبدعين المتخصصين في مصر، حيث يتم تناول أعمال الشعراء والقوالين بالنقد البنّاء بما يثري تجربتهم ويصقل موهبتهم.

كما يسعى السامر للتواصل مع الفنانين والملحنين التلقائيين في جنوب مصر (سوهاج، قنا، الأقصر، أسوان...) الذين يلحّنون ويغنّون المربعات أو المواويل أو الأدوار الفائزة في السجالات. ثم يقوم مخرجون بارزون أو مواهب لافتة من السامر بإخراج هذه الأعمال مصوّرة. من بين هؤلاء المخرجة إيمان عبده التي أشاد بها كبار مخرجي التلفزيون المصري. وتُنشر هذه الأعمال في منصات السامر كنوع من المكافأة والتشجيع، مما يعزز روح التنافس الفني الشريف.

وبفضل ذلك، أصبح السامر ـ بشهادة الكثيرين ـ مدرسة لتعليم وصقل المواهب في الفنون القولية بمصر، بل امتد أثره إلى بلدان عربية مثل المغرب وتونس والأردن والعراق.

▪ ما الذي تسعى إليه من خلال هذا السامر؟ وهل ترى أن الفن الشعبي بحاجة إلى أذرع مؤسسية لحمايته من الاندثار؟

▪أطمح عبر "سامر ابن عروس" إلى تثبيت قواعد فن الواو من خلال اللقاءات والأمسيات والمهرجانات السنوية، وإلى تقوية الروابط بين مبدعي هذا الفن داخل مصر وخارجها.

ولا شك أن الفنون الشعبية عامة، والفنون القولية الجنوبية خاصة، تحتاج إلى أذرع مؤسسية: رسمية، ومجتمعية، وأكاديمية، كي تحافظ عليها وتنميها وتحميها من التهميش أو الاندثار.

▪ كيف تتعامل مع التحديات التي تواجه هذا الفن في ظل سطوة التكنولوجيا وذائقة العصر السريعة؟

▪أرى أن التكنولوجيا كانت ولا تزال سندًا لهذا الفن؛ فقد قرّبت المسافات، ووطّدت العلاقات بين أبناء هذه القبيلة الصغيرة التي لا تتعدى عشرات الفرسان. وسائل التواصل الاجتماعي ـ وعلى رأسها "فيسبوك" ـ لعبت دورًا محوريًا في نشر الفنون القولية عمومًا، وفن الواو خصوصًا.

أما ذائقة العصر السريعة، فهي ليست عائقًا كما قد يُظن؛ بل تتوافق مع جوهر فن الواو الذي يقوم على التكثيف والاختصار والإيجاز. فالمربع الواحد في الواو بمثابة قصيدة كاملة تحمل موضوعًا وقضية متكاملة الأركان، وتترك للمتلقي ـ قارئًا كان أو مستمعًا ـ مجالًا للتأويل وكشف الدلالات، خصوصًا في "المربع المقفول" الذي يلمّح أكثر مما يصرّح، ويتطلب قارئًا يمتلك ثراءً لغويًا وخصوبةً في القريحة وحضورًا في الذهن.

  فضل الإنسان خلف الشاعر

▪ تنقلت بين التربية والتعليم والعمل الثقافي والإعلامي.. كيف شكّلت هذه المراحل شخصيتك الإنسانية ؟

▪لكل مجال من هذه المجالات أثر في شخصيتي على المستوى والاجتماعي والإنساني ... ، فالعمل بالتربية والتعليم فتح المجال لتعامل مع النشء والشباب والكوادر التعليمية التي تتبادل الخبرات والتجارب ... والعمل بروح الفريق والحرص على غرس القيم والمبادئ في نفوس أجيال متعاقبة ..! والعمل الثقافي والإعلامي ساعد على إضاءة الجانب الإبداعي ونشره بالوسائل المختلفة ..!

مما أكسب النفس ثقة في هذه الموهبة وصدقها من خلال المردود الجماهيري ... وتفاعل المتلقين مع هذه الإبداعات ..

▪ كيف تتعامل مع لحظات الفقد أو الانكسار ؟ هل تلجأ إلى الكتابة ؟ أم للسكينة ؟

▪️من أقسى اللحظات على الإنسان هي لحظات فقد عزيز وغال عليه أو فراقه ...!

صدمة الفقد تفقدتي القدرة على الحركة أو التعامل اللحظي .... ، فالسَكينة الذاهلة تصبح هي الملاذ الوحيد .... ، وبعد أن يمر على هذه المحنة بعض الوقت ... قد يكون للكتابة فعلها الذي يخفف من وطأة ألم هذا الفقد ... وقد تغيب هي الأخرى عن المشهد ... فيتضاعف الألم ويلقى بظلال قاتمة على النفس والروح ...!

▪ ما القيم التي حرصت على غرسها في من حولك، خصوصًا الشباب الذين تتعامل معهم عبر الملتقيات ؟

▪️الصدق والحب والأمانة والتعاون ... من أهم القيم التي أحرص عليها بشكل شخصي قدر استطاعتي ... ، كما أحاول غرسها فيمن حولي من الأصدقاء وشباب الإبداع الحقيقيين ..

  الشعر والموقف

▪ في ظل ما يشهده العالم من ظلم تجاه القضية الفلسطينية، ما الدور الذي يجب أن يلعبه الشاعر الآن ؟

▪️دور الشاعر في كل القضايا معروف ، وخاصة في قضية الأمة الأزلية وهي القضية الفلسطينية التي تمثل الاحتلال الوحيد على مستوى العالم في القرن الحادي والعشرين ، وسلاح الشاعر والكاتب والأديب هو الكلمة التي تتبنى هذه القضية وتدافع عنها في كل مناسبة ، والشاعر الذي يتغافل عن تناول هذه القضية في إحدى قصائده -على الأقل- يعتبر بائعا لأمانة الكلمة ولشرفها ، ولم يرع حق الهبة التي منحه الله إياها ليمتحنه بمثل هذه القضايا في موقفه منها ....!

▪ هل تعتقد أن الشعر العربي المعاصر ما زال يحتفظ بوظيفته النضالية، أم أنه أصبح انعكاسًا ذاتيًا ؟

▪️الأدب العربي عموما ، والشعر خصوصا يمر بأزمة وظيفية بفعل المدارس الغربية والمستغربين الغرب من النقاد والكتاب والمبدعين الذين لا زالوا متجمدين عند "عقدة الخواجا" ، والتي تجعل منهم أصداء لقوالب وتجارب غربية لا تمثل الروح العربية ولا تمثلها ... ، والدليل أو النتيجة التي نلمسها جميعا ونعاني منها هي انصراف جمهور الأدب والشعر عن هذه البضاعة الشائهة أو المشوهة بفعل أهلها المستغربين ...!

لكن رغم قتامة المشهد إلا إن هناك ثلة من فرسان حقيقيين يناضلون من أجل الحفاظ على الهوية العربية الأصيلة من خلال إبداعاتهم رغم التضييق الإعلامي ، وقلة المنابر التي تتاح لهم ... فهم أصحاب قضايا قومية ووطنية كبرى يناضلون من أجلها ... ويبثون في غيرهم هذه الروح النضالية التي لم تجرفها تيارات التغريب ...!

▪ هل كتبت عن فلسطين ؟ وهل ترى أن القصيدة يمكن أن تؤدي دورًا سياسيًا دون أن تتحول إلى منشور تحريضي ؟

▪️نعم .. كتبت عن فلسطين وأزعم أن أغلب الشعراء كتبوا عنها لأنها قضية الجميع رغم اختلافات الرؤى والتوجهات والانتماءات السياسية والايدلوجية ...!

* بالتأكيد القصيدة يمكنها أن تؤدي دورا سياسيا إذا كتبت بحرفية وصدق فني ، ويكون وراءها شاعر حقيقي موهوب ... دون أن تتحول إلى منشور تحريضي زاعق وممجوج يأنفه ، ولا يألفه المتلقى والسياسي على حد سواء ...!

الواقع الثقافي والحركة النقدية

▪ كيف ترى واقع الحركة الثقافية في مصر الآن، وهل يملك الشاعر مساحة كافية للحضور وسط الزحام ؟

▪️الواقع الثقافي والحركة الثقافية يمر بأزمة حقيقية ، حيث تضيق المساحة التي يتحرك فيها المثقفون ... ، في حين تفسح المجالات لدعاة الفن الهابط الذين دمروا الذوق العام والذائقة الفنية والجمالية لقطاعات واسعة من الشباب ... ؛ فأصبح القبح رائجا ، ودعاته نجوم مجتمع - للأسف - ولك في ناعقي ما يسمى بالمهرجانات الغنائية المثل المحزن ...!

وكذلك في السينما والمسرح التجاري .. مما يضيق مساحة تحرك وحضور الشاعر الجاد وسط هذا الضجيج والزحام الذي يكرس القبح والتشوه وضرب قيم المجتمع الجمالية في الصميم ...!

▪ ما رأيك في الحركة النقدية ؟ هل تنصف التجارب الجديدة أم أنها ما زالت رهينة الأسماء الكبرى ؟

▪️الحركة النقدية تعاني فقرا شديدا في الكوادر النقدية الجادة والمؤمنة بدور النقد ، والموجود منها متقوقع على ذاته ويعمل في دائرة مغلقة تزداد ضيقا يوما بعد يوم ، من خلال اكتفائها بالأسماء الكبرى التي نالت أكثر من حظها في الدراسة والأضواء ...!

وندر أن تجد ناقدا يتبنى تجربة أو موهبة جديدة تستحق أن ينظر لها بعين الإنصاف والجدية ...!

والساحة متعطشة فعلا لقطرات غيث من أقلام وعقول نقدية تبحث عن الجاد والجديد في الساحة الإبداعية عموما والساحة الأدبية الشعرية خصوصا ..!

▪️ هل عانيت شخصيًا من التهميش النقدي؟ وكيف تواجه ذلك ؟

▪️ لا أخفيك سرا :

 أنا ... وكتائب من المبدعين الجادين نعيش حالة تهميش مستمرة  ...!

* وأواجه ذلك بشكل شخصي من خلال الإصرار والمثابرة وعدم اليأس ... ، والاتحاد مع قلمي وعدم التخلي عنه مهما كانت الظروف ....!

وكذلك من خلال وسائل التواصل الاجتماعي استطعنا أن نوصل أصواتنا على مستوى مصر بل وفي بعض الدول العربية أيضا ، مع النشر في بعض الصحف والمواقع الإلكترونية لكن على مسافات زمنية متباعدة ..!

الشاعر والمشهد الثقافي بين الحضور والعبور

▪ ما الذي تراه ناقصًا في المشهد الثقافي اليوم؟ ولو كنت تملك قرارًا واحدًا، فما أول خطوة لإصلاحه ؟

▪️المشهد الثقافي يحتاج الصدق والإخلاص والتعاون الحقيقي فيما بين جموع المثقفين ونخب المبدعين بعيدا عن العدسات والنعرات والشعارات الجوفاء التي تضر المشهد ولا تخدمه ... ، والابتعاد عن الشللية والإقصاء لمن ليسوا على هوى أو انتماء البعض ...!

* والإصلاح لا يتم بقرار مسؤول .. أو صاحب نفوذ ... ، لكن الإصلاح يحتاج تربية وزرع بذور قيم أخلاقية منذ الصغر في نفوس العامة ؛ فتنعكس بالتبعية هذه القيم وتؤتي ثمارها في نفوس الخاصة من شباب المثقفين والمبدعين من الأجيال الصاعدة الذين هم أبناء هؤلاء الذين غرست فيهم هذه البذور الطيبة ...!

▪ حدثنا عن تلك اللحظة حين تسمع قصيدتك تُغنّى بصوت آخر ... هل تشعر أنها ما زالت لك؟

▪️هذا السؤال يعيدني لعام ١٩٩٥ ، بقرية العَوَنة بمركز ساحل سليم بمحافظة أسيوط ، حيث ليلة إنشاد ديني للشيخ / إبراهيم البدراوي -رحمه الله- حيث دعيت لحضور الليلة بصحبة مجموعة من أصدقائي أعضاء نادي أدب ساحل سليم للاستماع للشيخ ... وهو ينشد قصديتي "أنشودة الألم" ، ذهبت وأنا لا أصدق أن الشيخ سوف يتغني بقصيدتي ...!

بعد مدة ليست بالقصيرة من حضورنا والشيخ يشدو بشكل تقليدي رتيب والناس تتمايل مع صوته وصوت الموسيقى المصاحبة ، فإذا بإيقاع الموسيقى يتغير ، وبأداء الشيخ يختلف حين يقول :

   بعدما جُرحي التأمْ :: عادَ ينزفُ من جديدْ

   عـازفــًا لحـنَ الألـم :: إنـــه جــــرحٌ عنيـــدْ

وهما أول بيتين من قصيدتي ، فإذا بشعر رأسي يقف فعلا لا قولا ، وأنا أضع كفي على رأسي كي يستقر شعري مكانه ... ، وإذا بالأرض تميد بي ... ولولا استنادي إلى أصدقائي شعراء نادي الأدب لسقطت أرضا من زلزلة المفاجأة المبهجة حقا ...!

وما لفت نظري الحالة التي بثتها أبيات وكلمات وايقاعات القصيدة في رجال وشباب "الحَضْرة" حيث تسارع إيقاع حركتهم ، وزاد صراخ بعضهم وهو ما يطلقون عليه حالة النشوة أو السُّكر أو الغياب في حضرة المحبوب كما يقول الصوفية ...!

وبعد شهور قليلة من صداقة الشيخ إبراهيم .. أخبرني إن القصيدة سجلت في شريط كاسيت لإحدى شركات إنتاج "الكاسيت" ، ونزلت بالأسواق وحقق الشريط نجاحا كبيرا ، وأخبرني الشيخ أن الشيخ يس التهامي .. استمع للقصيدة منه في إحدى الليالي التي جمعتهما بمولد السيدة زينب أو الحسين رضي الله عنهما ... وسأله عن كاتب هذه القصيدة ، فحدثه عني ...!

* والمفارقة التي لم يكن يعلمها الشيخ إبراهيم ... إن الصديق الأسيوطي الذي أخذ مني القصيدة قال لي إنه سوف يعطيها للشيخ يس التهامي ...!

وبالفعل بعد شهور رتب لي لقاء مع الشيخ يس التهامي ... في إحدى الليالي بقرية العفادرة بساحل سليم .. وكان لقاء طيبا وممتعا مع الشيخ يس ..

* بعد أن لاحظت أن عددا لا بأس به من الشباب يحفظون القصيدة عن ظهر قلب ... أحسست أن "أنشودة الألم" أصبحت ملكية عامة ..!

▪ من أبرز من غنى أو أنشد من كلماتك ؟

▪️من أبرز من أنشودوا أشعاري :

* الشيخ / إبراهيم البدراوي

* د.أحمد سعد الدين

* الفنان / أحمد صالح

▪ حين تكتب القصيدة ، هل تشعر أحيانًا أنها تولد وفي داخلها بذرة لحن؟ وهل حدث أن كتبت نصًا من البداية ليكون أغنية أو أوبريت ؟ ثم بين القصيدة التي تُقرأ وتلك التي تُغنّى... أين تجد نبضك أكثر ؟

▪️الشعر بشكل عام فن إيقاعي ملحون أي له لحنه ووقعه الموسيقي حسب البحر الذي يكتب عليه ...!

* نعم قمت بكتابة أوبريت "الليلة المحمدية" عام ٢٠١٥ بالاشتراك مع صديقي الشاعر / عمرو المصري ... وعرضناه بمسرح نادي الشمس الرياضي ، وبعده بقاعة الكلمة بساقية الصاوي بالقاهرة ... ، ونجح نجاحا كبيرا وقتها ؛ لأنه كان ردا على رسوم مسيئة للرسول الكريم من بعض الحاقدين في الدنمارك في ذلك الحين ..!

 فضل الإنسان... ما وراء القصيدة

▪️ كيف ترى نفسك بعيدًا عن الألقاب؟ من هو فضل حين يُغلق باب الشعر خلفه؟

▪️مواطن مصري ... له زوجة وأولاد ... له عائلة في المنيا بشمال صعيد مصر لم ينقطع عنهم ودائم التواصل معهم ... ، معلم بالتربية والتعليم يحاول توفير متطلبات أسرته الحياتية والمعيشية  .. يفرح ويحزن ويمرح كبقية أبناء وطنه ... يحب البساطة والتواضع ويغرم بخفة الظل والصحبة الطيبة ...!

▪ الأسرة هي الحضن الأول لأي مبدع ... ماذا تعني لك عائلتك ؟ ومن أقرب أفرادها إلى روحك ؟

▪️ أسرتي هي الملاذ الآمن بالنسبة لي ، وهي الدافع والمحفز للاستمرار ومواصلة الحياة ..

وكل أفراد أسرتي لهم في القلب مكان ولهم في الروح مكانة ...!

▪ هل كانت أسرتك مشجعة لمسارك الأدبي منذ البداية ، أم عارضت الفكرة في بداياتها ؟

▪️رحم الله أمي كانت أول مشجع لي في مسيرة الإبداع -رغم إنها لم تنل أي قسط من التعليم- ، ثم كانت زوجتي وهي معلمة لغة عربية ومتذوقة رائعة للأدب عموما وللشعر خصوصا ، وناقدة لا يستهان بها ...!

* ومع مرور الزمن وزيادة متطلبات الحياة بدأت تتساءل كامرأة شرقية : ماذا أخذنا من الشعر ؟

الشعر لا يفتح بيتا ، بل يقتطع من ميزانية البيت والأولاد الذين تتزايد متطلباتهم كل يوم !

وخاصة أن الوقت الذي أعطيه للشعر يزيد عن الوقت الذي أعطية لأسرتي بشكل جائر ..!

▪ كيف توازن بين انشغالك بالشعر والملتقيات ، وبين وقتك الخاص كزوج أو أب أو أخ ؟

▪️هذه معضلة أو إشكالية اعترف أنني فشلت في إقامة توازن عادل بين أركانها ...!

فالشعر كما أسلفت يجور على كل الأوقات المخصصة لأسرتي وعائلتي للأسف الشديد ، فإن انتهيت من حضور ندوة أو أمسية شعرية ، أعود لندوة أخرى على وسائل التواصل وصفحاته الأدبية وخاصة سامر ابن عروس ...!

فلهم الله زوجتي وأولادي ... ، ولها الله زوجة كل مبدع شاعرا كان أو أديبا كاتبا أو فنانا ...!

▪ هل ورث أحد من أبنائك أو أحفادك حب الكلمة ؟

▪️هند .. ابنتي الكبرى تحب كتابة القصة ..

* محمد الأصغر .. نظم بضع الأبيات ثم انقطع ..!

* يوسف الأوسط انشغل بالعلم ودراسة الطب ..!

▪ ما اللحظة العائلية التي تُعيد إليها قلبك كلما ضاق بك العالم ؟

▪️ حينما أحس بالوحدة والغربة رغم ضجيج العالم من حولي ..!

▪ حين تمر بأزمة شخصية ... هل تلجأ للعزلة ؟ للكتابة ؟ أم لحضن إنسان تحبه ؟

▪️الأزمة الشخصية تحتاج الخلوة للتفكير بروية للوصول إلى حل ... ، وقد تستدعي الكتابة لكن ليس بشكل حتمي .. فالكتابة هي التي تفرض نفسها عليّ ولا أفرض نفسي أو قلمي عليها ...!

* وحين أعجز عن الوصول لحل فمن الطبيعي أن استشير إنسانا قريباً إلى قلبي وأثق به ..

▪ من الشخص الذي إن غاب ، يختل توازن أيامك ؟

 ▪️أم يوسف زوجتي ... ، أو أحد أبنائي في سفر أو عمل ...!

▪ ما القيمة التي تحرص دائمًا على غرسها في أبنائك أو من حولك من شباب الملتقيات ؟

▪️الصدق والصراحة والتعاون وحب العطاء ...

▪ لو خُيّرت بين جائزة أدبية كبرى ، وبين دعوة خالصة من قلب أمك أو والدك ... ماذا تختار ؟

▪️دعوة من أمي ... أو أبي ... رحمهما الله أكبر من جوائز الدنيا كلها ... من نوبل رأسا إلى أصغر جائزة عقبا ....!

 "بدون مونتاج"

 (أجب بكلمة أو جملة قصيرة)

▪ أول قصيدة كتبتها ... تتذكر مطلعها ؟

▪️نسيتها للأسف ...!

▪ أكثر كلمة لا تغادرك ؟

▪️الحمد لله

▪ ماذا يعني لك "فن الواو" في جملة ؟

▪️مشروع وطني ومسؤولية أدبية .

▪ هل تؤمن بالحب من النظرة الأولى ؟

▪️أكيد ..

▪ صوت إذا سمعته يرتجف قلبك ؟

▪️بكاء الفلسطيني ...!

▪ كلمة تقولها لصديق خذلك ؟

▪️خسارة  ..!

▪ لو عُدتَ عشرين عامًا إلى الوراء .. هل ستختار نفس الطريق ؟

▪️ بالتأكيد ...

▪ متى تكون القصيدة أقرب للبكاء منها للغناء ؟

▪️عندما تكون عن فلسطين ، أو عن غياب العرب ...!

▪ آخر مرة قلت فيها "أنا تعبت" ... كانت متى ؟

▪️عندما أشاهد مجازر العدو الصهيوني في أبناء فلسطين عموما وفي غزة خصوصا ..!

▪ ما الذي لم تقله بعد في شعرك ؟

▪️ما سوف أقوله حين أكتب القصائد التي لم أكتبها بعد ...!

▪ فلسطين ؟

▪️جرح لم يندمل ...!

▪ والقصيدة التي لم تكتبها بعد ... كيف تتخيلها ؟

▪️ مغايرة لما كتبته قبلها ..

▪ لو تركنا لك المساحة لتكتب سطرًا بلا سؤال … ما الذي كنتَ لتقوله ؟

▪️شكرا لك أيتها المحاورة المبدعة ، وللجريدة الغراء على هذه المساحة المرهقة والممتعة في آن واحد ..!

▪ وما الفكرة التي تمنّيت أن نُثيرها ولم نفعل؟

▪️لم تتركي فكرة توقعتها أو لم أتوقعها ... إلا وطرحتها بحرفية مبدعة وملفتة ...!

تلغراف :

▪ في لحظة تأمّل صامتة ... لو سنحت لك الفرصة لإرسال "تلغراف" لمن ترك فيك أثرًا طيبًا لا يُنسى – شعريًا أو إنسانيًا – فلمن ستوجّهه ؟ وماذا ستكتب ؟

▪️لأمي وأبي : رحمكما الله وجعل مثواكما الفردوس الأعلى ... ؛ بفضل رضاكما ودعواتكما لا زلت أسير ...!

 ▪️أخي وصديقي الشاعر الرائد الكبير / عبد الستار سليم : بارك الله عمرك ، وأدام نهر عطاءك العذب جاريا ..

الختام:

هكذا يبدو فضل محمد إبراهيم: شاعرًا يحمل قنديل الجنوب في يده، ويحرس ذاكرة مصر بالكلمة.

ليس شاهدًا على تراث يذبل، بل فلاحًا يزرع قصائد لتورق في قلوب الأجيال.

وحين يتحدث عن الوطن أو عن فلسطين، تدرك أن الشعر عنده ليس ترفًا، بل موقف، وأن الكلمة عنده لا تعرف الحياد... فهي إمّا أن تكون حياة، أو لا تكون.

أُجري هذا الحوار ضمن سلسلة "حوار مع مبدع إنسان" التي تُعدّها وتُقدّمها الكاتبة والشاعرة همت مصطفى، والتي تسعى من خلالها إلى تسليط الضوء على الوجوه الإنسانية للمبدعين الذين يحملون الجمال في أقلامهم وقلوبهم، بعيدًا عن ضجيج الأضواء وقوالب الإعلام التقليدية.

مساحة إعلانية