مساحة إعلانية

مساحة إعلانية

منبر

الرأي الحر

الشاعر والبحث عبد الستار سليم يكتب:صفي الدين الحلي والمواليا

2024-10-22 03:20:29 -  تحديث:  2024-11-09 02:23:24 - 
الشاعر والبحث عبد الستار سليم يكتب:صفي الدين الحلي والمواليا
الشاعر والباحث عبد الستار سليم
منبر

ولد الشاعر صفيّ الدين الحلّي في النصف الثاني من القرن السابع الهجري وذلك في " الحِلّة " من مدن العراق الأوسط، و كتابه الذي أسماه " العاطل الحالي والرخص الغالى " قد خصصه للشعر الملحون، مثل الزجل، والمواليا، والكان وكان، والقوما، وهو أهم كتاب قديم تعرض لهذه الفنون،  فجمع قواعدها، وكثيرا من نصوصها - كما تقول مقدمة طبعة الهيئة المصرية العامة للكتاب لهذا المؤلَّف ( تحقيق د.  حسين نصار) - الذي لم يقتصر ما جاء فيه علي قطر عربي بعينه ، بل أتي بنصوص من مصر والعراق والشام والأندلس ( الأندلس : الاسم العربى لشبه جزيرة أيبريا الإسلامية) ..
ومن الطبيعي أن يخلو هذا الكتاب - والكتب المماثلة - من الإشارة إلي بعض الألوان الشعرية الأخرى ، مثل الشعر "الحلمنتيشي " وفن "الواو " وفن "العدودة " وفن " النميم "، وألوان أخري كثيرة سوف نعرض لها من خلال هذه السلسلة من المقالات - التي أتمني أن أوفيها حقها، من خلال تبسيطها وتسليط الضوء عليها، إذ أن هناك شريحة كبيرة من محبّى الشعر لم تتعرف علي ماهية هذه الفنون حتى الآن .. كما تجب الإشارة إلي أن الشكل البنائي للشعر الملحون - أو اللهجي نسبة إلي اللهجة الدارجة - تتنوع بتنوع البلدان والألسنة التي تتحدث باللهجات العربية المتباينة ، فهناك في صعيد مصر ظهر فن "الواو"،
-و نقصد بالصعيد جنوبا - وعلي الأخص إقليم قنا .. وفن "النميم" في مناطق العبابدة والبشارية بأسوان والبحر الأحمر، وفن صعيدى قديم  هو فن " العدّودة" -كفنّ نسائي، أى لا تقوله إلا النسوة ، كما أن فن الموال هو فن رجالى، لا يقوله إلا الرجال-  فإذا اتجهنا جنوبا ، نجد فنونا أخري كالنميم و الحاردِلّو ، والدوبيت السوداني ، والجنزير . . 
أما في شبه الجزيرة العربية فهناك الشعر النّبَطي- نسبة إلي الأنباط- والأنباط هم عرب يتكلمون العربية و كانوا يكتبون الآرامية- كما يقول د. رضا محسن محمود في كتابه "المواليا " - وكل هذه الفنون القولية راجت وانتشرت وأحبها الناس، وقد قيّض الله لها حَفَظة يحفظونها في صدورهم، لعدم وجود وسيلة تدوين أخري قديما..!
أما فن "الموشح" ،  فالموشحات دخلت مؤخرا  ضمن  الفنون القولية الملحونة، بعد أن كانت في البداية مُعرَبة (أى بالفصحى) ..
وعلينا أن نتعرف علي كل فن من هذه الفنون الشعرية التراثية البديعة بخصائصه ، فضلا عن ضرورة الاهتمام بها كلها ، و ذلك لجمالها من جهة، ومن جهة أخري لأنها تشكل مرجعية أساسية للهوية العربية، المستهدفة من رياح العوْلمة العاتية...!!!
ولنبدأ بالشعر(الذي يسمونه أحيانا بالشعر القريض)، وهو ذلك الفن الذي قيل إنه تطور عن الأمثال والحِكم التي تداولتها الناس إبّان حياتهم المعيشة، ومن خلال المواقف التي يتعرضون لها (قبل العصر الإسلامى بما يقرب من قرن ونصف من الزمان) ، وتطور شكل المثَل إلي بيت شعري مُموْسَق ، فظهرت الأراجيز ، ثم القصيدة الشعرية، وحين قال عنترة:
( هل غادر الشعراء من  مُـتردّم
أم هل عرفت الدار بعد توهّم) 
- من معاني " المتردّم "، الثوب المرقّع أو المستصلح ، حسب ما جاء في معجم الوسيط - فمن المحتمل أن عنترة كان يقصد تلك الأمثال ، التي كانت تمثل نُتفاً من شطرات البيت الشعري .. أما الشكل البنائى النهائي للقصيدة الشعرية ، فكان أن  تبدأ ببيت مُصرّع (أي أن نهاية الشطر الأول تماثل نهاية الشطر الثاني) كتقفية ، وفي باقي القصيدة، تكون نهايات الأشطر الأولي حرة، والأشطر الثانية يكون لها نفس قافية البيت الأول،  وكانت توسف القصيدة  بقافيتها، فإذا كانت هذه النهاية حرف "اللام " مثلا، كمعلّقة امرئ القيس  التى يقول مطلعها : 

( قِـفَا  نَـبـكِ  مِن  ذكرَى  حــبيبٍ  و  منزلِ 

بِسِــقْط اللــوَى  بعد الدخول  فَـحَـوْمَـلِ  )

فيسمّون القصيدة لامية، وإذا انتهت بحرف الدال، فيسمونها دالية، وهكذا ، وكان هذا هو السائد، وقد تكون القصيدة غير مصرّعة..
وكذلك هناك نوع من القصائد يسمونه المزدوج، وفيه يتم تصريع كل بيت في القصيدة علي حدة كألفية ابن مالك و"ذات الأمثال " لأبي العتاهية، وبظهور المقطّعات، ظهرت الثلاثيات والرباعيات والخماسيات التي تتّخذ تقفية بأشكال مختلفة، كما حدث في المسمّطات و فى الموشّح، فعلي سبيل المثال في موشحة ابن زهر الحفيد مطلعها يقول :

( أيّها الـساقي إليك الـمُـشْـتَـكي

قد  دعَـوْنــاك وإن  لم  تسمَــعِ
*

ونديم هِـمْــت ُ في غُـرّتـهِ

و بِشرب الراح  من راحتهِ

كـــلّما استيقظ من سكرتهِ
*

جـذب الـــزّقّ إلــيه و اتَّكَي

و سَــقاني أربَــعا  في أربــــــعِ )
........ 
وهذا المقطع كامله  يسمّونه بيتا.. 
ثم جاءت - حديثا - قصيدة التفعيلة، فاستَغْنت عن البحر الشعرى الخليلى، وإلى حدّ ما  عن القافية، ثم تلتها ما تسمى  بـ"قصيدة النثر "- إذا جاز التعبير- لتتخلي عن الوزن والقافية دفعة واحدة.

مساحة إعلانية