مساحة إعلانية

مساحة إعلانية

منبر

الرأي الحر

الشاعر والباحث عبد الستار سليم يكتب: عن الفن البدوي نتحدث .. غناوة العلم

2024-07-08 14:08:14 - 
الشاعر والباحث عبد الستار سليم يكتب: عن الفن البدوي نتحدث .. غناوة العلم
عبد الستار سليم- شاعر

غِنّيوة العَلَم  .. أو شعر الفقد ، ورثاء الذات ، والحب المستحيل ،  و يرتبط الشعر والغناء  البدوى  بالصحراء والخيام ، وشاى الزرْدة  المُـعدّ على الجمْر ..!
و "شعر العَلَم " هو  نمط شعري بدوي، لا يكاد نمط غيره يبلغه وفْرةّ ، وانتشارا ، وسعةً، و تداولًا في بيئته.. والشكل البنائي لهذا الشعر - كنص قولي - عبارة عن سطر شعري واحد، يعالج أغراضا شعرية تشيع عندهم، مثل: الأولاف (لاوْلاف أي الأحباب) ، والجرح، والغَلَا -بتضخيم الغين المنقوطة و تضخيم اللام-( أي الحب والعشق)، واليأس، والبكاء، والصبر، والمُوح (أي البعد).. إلي آخر المشاعر البدوية.. علي أن الغالبية العظمي من النصوص تعالج عاطفة الحب ، وما يتصل به من بعد وشوق وحرمان:
أحد العشاق يقول إن حبيبته قد أخذت بلبه سواء في قربها أو بعدها.
(واخدين ما في العقل.. سواء بعاد ولا يقربوا).
وآخر يتوجع من حبيب تركه كالمريض، الذي من شدة مرضه لا يستطيع الكلام:
(مريض غالبه الكلام.. خلّوا العقل لوْلاف يا علم).
وهذه النصوص يشترك في حفظها الرجال والنساء والأطفال - وهناك الإبداع النسائي الذي تتميز نصوصه بقدر من الرخاوة واللين في المفردات - ونَصّ «العَلَم» لا يؤدّي إلا غناء - فاشتهر باسم «غنّاوة العلم» وهم لا يطلقون صفة -أو اسم الغناء - علي أي نمط شعري آخر إلا هذا النمط، بل يقطع الرواة بأن «العلَم» هو وحده الغناء، ولا غناء غيره - إذا استثنينا أشكال الغناء في وسائل الإعلام الحديثة - ولذلك يقولون : ( إنه  يغني  بالعلَم) والمؤدّي لغناوة العلم - العاشق المبدع لهذا النمط الشعري وقائله - لابد أن يغني بصوت مرتفع، وهذا الأداء يصحبه - عادة - أنين وتوجّع، والطريف أن هذا الأداء يستغرق وقتاً طويلا - كما يقول أحد الرواة - وأن أداء نص واحد، قد يستغرق مسيرة خمسة كيلو مترات سيراً علي الأقدام - فصاروا  يقيسون المسافات بـ «غناوة العلم».. تقول إحدي أغاني العلم:
(ما يبكّي علي صوب العزيز.. إلا الياس والموح والجفا)
ومعناها: أن الذي يجعل العين تدمع علي بعد الحبيب، هو اليأس من عودته، والبعد عنه، ثم جفوته حين يجفو  . . ومن أغاني العلم أيضاً.
(عزاي يا العين أمعاك.. عليهم ابكي اوْنا انْساعدك).
و«العلم» - في اللغة - هو الجبل، أو الشيء المرتفع البين، ويضيف بعضهم إلي معانيه «الراية» ، فالراية - أيضاً ، دائماً مرتفعة ،  وأشهرها  رايات  الحروب قديمًا 
ويَحكي «عبدالسلام قادربوه» قصة شاب فارس شجاع اسمه  "علم " تصادف أثناء تجواله في البرية علي حصانه، قد شاهد فتاة جميلة تطل من شرفة قصر منيف، ولما تقدم إلى القصر ، كان مكتوباً علي بابه الموصد:
(مفتاحه مع لُوْ لاف.. العين قفلها صاك يا  " علم " 
ومعني الأغنية: إن باب قلبي موصد، ولا يملك مفتاحه، أو يفتحه إلا من أحبه قلبي حباً صادقاً يا «علم».
ويتفق الرواة علي أن لفظة «العلم» مقصدها: الرجل البطل الشهم العظيم والمشهور والمعروف والمرتفع كالجبل - وقديماً قالت الخنساء في مدح أخيها «صخر»: 
( كأنه علم ٌ في رأسه نارُ )
وأيضاً «العلم» المرأة العالية القدر البعيدة المنال، وكذا الشريفة الجميلة صاحبة العقل والأدب.
وتقول «غناوة علم» واصفة ذكري حالة الحب حين تمكن من العاشق.
(إن طال الخلا ينهال.. مدْعي غلاك مازال ساحبه).
وطال يطول أي: أدرك: والخلا: يقصد به الفلاة  أي الصحراء، ينهال: أي ينطلق، ومدعي: أي ذكري أو سيرة، وساحبه: من السحْب أو الجر  .. والمعني الكلي يقول: مهما يكن من أمر رحيل من تحب ، وانطلاقه بعيداً عنك، فإن ذكري حبه  إيّاك تظل تشده ، كما يشد الراعي غنمه.

مساحة إعلانية