مساحة إعلانية
سقر طلعت مش حلوة خالص .. !!
مر الأسبوع الأول من (العلاج الإشعاعي) دون أن أحس بشيء غير عادي ، زرت الطبيب المعالج الذي قرر أن أحصل على (حقنة) قال أنها ستساعد في العلاج ، وتطلب هذا أن أدخل (مستشفى المبرة) شكليا لأخذ الحقنة، قامت (وسام) بنشاطها المعروف سريعا بالإجراءات، ووجدتني أرقد على سرير نظيف بين مجموعة ممن يتابعون العلاج الكيماوي للسرطان. كانوا يعيشون حياتهم العادية بشكل طبيعي، بل سرعان ما انخرطنا - ككل تجمع مصري - في نقاش الأحوال السياسية والاقتصادية السئة التي نعيشها ، ورغم تحذير الطبيب لي من رفع صوتي، وإجهاد حبالي الصوتية، وجدتني أنخرط في نقاش حاد وجاد مع بعضهم ، وشعرت بالم وغصة حين كان بعضهم يصور المكاسب التي حصل عليها العمال والفلاحين في العهد الناصري كانحرافات .. وأنها السبب فيما نعيشه اليوم من مآسي ... كنا نعالج على حساب التأمين الصحي .. ونرى في ذلك حقا لنا .. !! ولولا تلك المكاسب التى اكتسبناها في لعهد الناصري لكلفتنا الحقنة الواحدة آلاف الجنيهات .. تأكد لي – للمرة الألف - صحة اعتقادي من أن الإعلام الفاسد أشد خطرا على وعي الشعوب من الاحتلال الأجنبي . ولم يقطع النقاش سوى دخول مجموعة الممرضات وبأيديهن عبوات المحاليل التي لم تكن كتلك التي أراها تعلق للمرضي في الأفلام والمسلسلات ... كان بعضها مغلفا .. خمنت أنها جرعة من (العلاج الكيماوي) بمهارة علقت إحداهن على حامل معدني نصيبي منها، وغرست محقن متصل بها في ظاهر يدي اليمنى ، وكان على أن استلقي هادئا اتابع قطرات المحلول تساقط على مهل .
طلبت من (وسام) أن تلتقط لي صورة للذكرى بالموبايل، لكنها جحدتني بنظرة كنت أراها فقط في عيني أمي حين تضبطني متلبسا بفعل لا يرضيها ..وقالت : ذكرى إيه يا بابا ؟ .. لذت بالصمت وحولت عينيها عني لمتابعة انسياب المحلول إلى دمي ...
انتهينا من جرعة الكيماوي ، وكان علينا أن نلحق بموعدنا في مركز الأورام في نفس اليوم، فانطلقنا إلى (منقباد). .كانت صورة صديقي الشاعر محمد الشحات التي نشرها على صفحته بـ (الفيس بوك) وقد سقط شعره بعد أن أصيب بـ ( اللهم احفظنا واحفظكم ) بالسرطان .. تقريبا في نفس وقت إصابتي .. وتخيلت صورتي بلا شعر ..فبدت لي مضحكة.. ولكن لم أقوى على التبسم.
مرت العشرة الأوائل من العلاج دون مشاكل حقيقية.. فقط عادت رغبتي في السعال المستمر، وبدأت أشعر بالألم عند ابتلاع الطعام .. وسرعان ما تزايد الإحساس بالألم عند البلع، وتفاقم السعال. ولا أدري إن كانت (وسام) طلبت من طبيبة المركز رؤيتي، أم الطبيبة هي من استدعتني بعد أن أزعج سعالي الحضور..وبعد السؤال التقليدي عامل إيه يا حاج ..؟ شكوت لها من السعال وآلام البلع .. ونشفان الريق .. ابتسمت وهي تقول .. دا طبيعي كأعراض مصاحبة للعلاج .. نصبر يا عم الحاج .. وانا هأكتب لك بعض الحاجات إللي تساعد على تخفيف الألم. وكتبت بالفعل .. لكن لم يساعدني غير الصبر والتجلد وخوفي من رؤية نظرة الإشفاق في عيني زوجي وأبنائي ...
اتصلت بي خالتي ( رسمية ) بالفيديو... لتطمئن علي،هي كما أعرف لا تجيد طلب رقم على الهاتف النقالي، ولا أدري كيف لاحظت اسوداد لون جلد رقبتي، قالت: مال رقبتك يا ولد أختي مزرقه ؟!! تلعثمت قليلا.. (لا أريد أن أكذب، ولا أريد أن أكون صادقا فأقلقها) .. عللت لها الأمر بشكل مبهم بأنه نتيجة العملية والعلاج .. فأنا أكتم عنها إشفاقا، إصابتي بـ ( اللهم احفظنا واحفظكم ) بالسرطان وأن السواد وسقوط شعر أسفل الذقن نتيجة الجلسات العلاجية، اندهشت فلم ينبهني أحد إلى أن رقبتي صارت سوداء اللون، وحينما سمعت مني (وسام) ملاحظات خالتي، هونت من الأمر، وأخبرتني أنها راجعت الطبيب فقال دا من الأعراض الجانبية. وقالت : يا ريت ما تستخدمش الميه والصابون لحد ما نخلص العلاج .. وبلاش الريحة والكولونيا لما تحلق .. !!
لم تكن الأيام التالية من العلاج كالسابقة، ولم تعد (سقر) جميلة كما تخيلتها وكما صورها صوت الشيخ عبد الباسط عبد الصمد .. كانت أم كلثوم محقة في سخريتها ..!! صرت ابتلع ريقي بصعوبة بالغة ، بل كنت حينما تنتابني نوبة السعال أقبض بكفي على مجمع رأسي حتى لا تنفجر من الألم .
انتظرت بقلق موعد زيارة طبيب الأورام بعد أن أنهيت الجلسات المقررة، تفحص الطبيب الأشعة بهدوء اعتدته، وقال بصوته الخفيض الذي لا أكاد أسمعه : تمام .. الأشعة بتقول إن ما فيش حاجة في المنطقة المصابة ,, والصدر سليم .. لكن سماكة الحبل الصوتي محتاجه نراجع فيها طبيبك اللي عمل العملية .. لم ننتظر، في نفس اليوم زرنا طبيب التخاطب .. الذي قام بعمل المنظار لمرتين كادتا أن تخرجا كل ما في جوفي من أمعاء، وبعد أن اعتذر الطبيب علن خشونة (المنظار)قال: مشيرا إلى التصوير التلفزيوني الذي أجراه : الأمور طبيعية .. ألف مبروك .. ويا ريت تتابع معايا كل كام شهر .. عشان نطمئن ..
الحمد لله .. قلت وأنا ابتلع ريقي بصعوبة بالغة: الحمد لله .. (فلتنا من سقر ...سقر طلعت مش حلوة خالص...
أقرأ أيضا:
الشاعر والباحث درويش الأسيوطي يكتب من تلك الأيام:اللهم احفظنا واحفظكم:(1-3)
الشاعر والباحث درويش الأسيوطي يكتب من تلك الأيام:اللهم احفظنا واحفظكم:(2-3)