مساحة إعلانية
مالها سقر ..؟!! ماهي حلوة سقر أهه ؟!!
حكى أحد الصحفيين أن المطربة الفلاحة المصرية العظيمة (أم كلثوم)، حينما سمعت الشيخ (عبدالباسط عبد الصمد) يرتل بصوته الجميل الساحر قوله تعالى: ( سقر، وما أدراك ما سقر)، ولم يعجبها إحساس الشيخ بدلالة المفردة؛ علقت بخبثها الفلاحي الجميل: الله .. مالها صقر .. ما هي حلوة صقر أهه .. ؟!!
صامتا كنت في الطريق من أسيوط الجديدة إلى (منقباد) حيث ( مركز علاج الأورام) التابع للقوات المسلحة؛ واحترمت ابنتي (وسام) التي كانت تقلني في سيارتها صمتي، فكفت مضطرة عن الثرثرة التي تدمنها النساء عادة. وكنت قد وطدت نفسي – وأنا أرتعش من الداخل - على تحمل الآلام ، فعلى أن أبدو أمام أولادي متماسكا على الأقل، فأنا ( بابا ) الذي يفترض أنه الشجاع القوي ..الذي هو - في نظرهم - على كل شيء قدير ..
وحين خلعت ثيابي، وثبت الإخصائي (القناع) الذي حددت عليه مواضع سقوط طلقات الإشعاع على وجهي، شعرت باختناق كاذب للحظة، سرعان ما زال والإخصائي يطلب منى رفع ذقني، و يحذرني من الحركة .. حاولت أن أجد معنى لبعض الأصوات والأضواء التي تصدر عن جهاز الإشعاع، وماذا يعني ذلك الطنين المبهم ..!! وأين سأحس بألم طلقات الإشعاع التي ستطلق على الخلايا السرطانية بحنجرتي .. بل فكرت في إحصائها وسرعان ما تخليت عن العد بعد العدد ثلاثين.. لم يطل الوقت كثيرا، فهي دقائق و توقف كل شيء، وقال لي الشاب المبتسم وهو يساعدني على النهوض( بالشفا يا حاج ) .. سألته مندهشا: خلاص كدا ..؟!! عقب الرجل ( خلاص النهارده يا عم درويش ) . ابتسمت وأنا أسترجع تعقيب أم كلثوم على قراءة عبد الباسط :
مالها صقر .. ما هي حلوه صقر أهه ...!!
خرجت منشرحا إلى القاعة الهادئة حيث تنتظرني فيها ابنتي ، مدت إلي يدها بزجاجة الماء طالبة مني الشرب: الدكتور قال لازم تشرب ميه على طول .. كان حلقي جافا ربما من الخوف، وكنت في حاجة إلى ما يبل ريقي ، سألتني : خلاص .. قلت لها: خلاص .. قالت مبتسمة وهي تفتح لي باب السيارة: كدا باقي لك عشرتين وتسعة جلسات وتخلص العلاج ..!! ابتسمت فقد دار بذهني ما قاله القروي الطيب بعد صيام اليوم الأول من رمضان تهوينا من شأن صيام رمضان المرهق في أيام حصاد القمح :( باقي عشرتين وتسيعة ... )
عدت إلى البيت وقررت أن أكتم خبر إصابتي وعلاجي من السرطان .. فكثير من أهلي وأصدقائي خاصة في البلد ( قريتي )، من كبار السن مثلي، ولو علموا أني مصاب بمرض (اللهم احفظنا)،. لتدافعوا لزيارتي لإبداء عطفهم وشفقتهم ..!! وإن لم يحضروا أغضبني تجاهلهم .. وأنا لا أحب أن أكون موضع شفقة أحد... أو موضع تجاهله . كما أنني ما زلت أعاني من أثار العملية الجراحية، لهذا قررت ألا أكتب شيئا عن مرضي على صفحات التواصل الاجتماعي .. ولا أرد على الهاتف إلا للضرورة القصوى . فلن أكون مثل صديقي فلان الذي كلما تعثر في حصاة؛ نشر على صفحته( تعثرت في الطريق .. وبعناية الله .. نجوت بأعجوبة ..) .
كان العلاج الإشعاعي يتطلب الانتظام اليومي في جلسات تلقي الإشعاع عدا يومي الخميس والجمعة، بعد أن أخذت قسطا من الراحة عدت إلى ممارسة حياتي اليومية العادية من الاستيقاظ فجرا للصلاة والقراءة والجلوس إلى كتاباتي كالمعتاد، ورغم القلق كنت سعيدا بمشاعر أحسها لأول مرة ..
كنت أشعر برضاء غريب .. بل باللامبالاة .. !! هل هو الإحساس بانتظار الأجل وإيه يعني ؟ ما أنا جربت الموت ..!! أظنه سيكون لطيفا تماما كما في غرفة التخدير ..!! هو نفس يدخل .. وما تعرفش إن كان هيخرج وللا لأ ..
الجديد أنني صرت أكثر حرصا على الانتهاء من بعض الأعمال التي عكفت علي كتابة بعضها لشهور وسنوات؛ مخافة أن يسبق الأجل وأتركها ناقصة : كدا أكون قلت كل اللي عندي .. ويعني لو حد حب ينشرها تبقى كاملة .. أن يفرغ رأسك من كل الهموم عدا هم الحياة .. إحساس لم أعايشه من قبل .. قلت لها حق أم كلثوم .. مالها سقر .. ما هي حلوة سقر أهه ..ّّ
أقرأ أيضا:
الشاعر والباحث درويش الأسيوطي يكتب من تلك الأيام:اللهم احفظنا واحفظكم:(1-3)