مساحة إعلانية
لم أولد طفلة...
لا... ولم أرضع من ثدي أمي
ولم ألعب مع قريناتي...
قذف بي
من رحم السماء
ورائحةُ الجنةِ ما تزال
فواحة في خصري
أحمل ثقل عقلي
وجسدا أسيرا
مكبلا بالأغلال
نحو الفراغ يهوي.
مذنبة
عاصية
غاوية
هكذا حدثتني جدتي
ولجدتي ما يكفي من الشرعية
أن تختار لي كهفي
وحديقتي السرية
وصنما يحرسني.
اثنين كنا
والرغبةُ ثالثنا
والأفق البعيد ظلنا
لجدتي مايكفي من الحكمة
وقد بلغت من الدهاء عتيا
أن تلبسني رداء من تعويذات
يلجم تدفق الحياة في عروقي
تهش بعكازتها على حروفي
وتهمس بأذني أن أسكن صمتي.
كان لجدتي مايكفي من الحنين
وهي تحدثني عن الماضي التليد
عن المطر الغزير
عن القمح الوفير
عن الأشجار الباسقات
عن الرغبات المدفونة
عن الأصوات الخفية
عن تفاصيل من مروا من هنا
وهناك
عن الشياطين
عن الملائكة
عن الله
عن تراتيل الليل
عن ورد الصباح.
كان لجدتي ما يكفي من الرغبة
لتحدثني عن بطولات جدي
وعن موته مجهولا في "لاندوشين "
عن مساءات الانتظار
إذ طال الغياب
وصار يشبه بالاحتضار.
عن غنجها وعطرها
عن الكحل والسواك
عن رائحة المسك بين نهديها
عن الرغبة المدفونة بين شفتيها
عن المنديل المخبأ في قعر الصندوق
يفوح بعطر حبهما
الملفوف بالسحر وبالأسرار.
وكان لي من الشجاعة ما يكفي
لأنْسِفَ كلّ خططها وأمانيها
أركبُ الموجَ الهادرَ
أراوغ العتمة في روحي
أتوارى في عمق السماء
أستدرجُ المساءَ إلى كهفي
أُمسِكُ بتلابيب المدى
أعتلي صهوة النور
أتساقط على وجه القمر
أصرخ الصرخةَ الأولى
أحطُّ وأطيرُ
كضفيرةٍ جميلةٍ لطفلة ٍ
تجري وراء أحلامها الصغيرةِ
كطفلة صغيرة ٍ
تحط وتطيرُ..
وأطير ُكأسرابَ عصافيرَ...
نحو جزيرة يسكنها الطير الغريد
أطير كنشيد يطير بين الشفاه.
يا جدتي أقول
دعيني أرشف هذي الحياة
جرعة جرعة
وأبقي لنفسي
قليلا من العطش
يا جدتي من لم يثمل برحيق الحياة
فكأنه لم يعش.