مساحة إعلانية
ياسر محمود محمد – السويس - الأربعين
أخرجتْ لسانها من بين شفتيها .. و أخذت تلعقهما ، و تلعق معهما كلمات الغزل منِّي ..
_ أنتِ يا بنتي لازم تكوني أميره .. هو فيه حد في جمالك ؟!
السمراء يا قلبي .. السمراء .. بينما أنا أسيرُ بها في شوارعٍ لا تؤدي إلى شيءٍ مضلِّلاً إيّاها حتى أسيرَ معها أطولَ وقتٍ ممكنٍ ؛ فأحظى منها بعبق تلك الرائحة الفاتنة التي رشتها فوق وردتين حمراوتين أهدتهما لي . أسيرُ بها – و معها – في شوارع السويس الجميلة مثلها ، جميلة ؛ لأني أعشقهما معًا . هي سمراء مثل السويس .. مدينتي البترولية . ( تحمي " س " ثقتها الكبيرة في نفسها و طموحها الذي يشبه أنفها الناظر دائمًا غلى السماء ، بينما تحمي السويسَ جبالُ عتاقة المترامية في الأفق حولها ) أسيرُ في شوارع السويس بداية من " شارع المحافظة " ، ثم نصل إلى " ميدان الخضر " ، ثم إلى " شارع الخضر " ، و ندور مع " الغريب " دورته التي قضى بها في مدينتي ,.. حتى أصل إلى الشارع الذي به "جامع الجعفري"، وهناك تصرخ في حبيبتي السمراء أن أهدأ :
_ إهدأ أنت تسير بسرعة !
قالتها بجرس له صدى ناعم جميل ، و هي ترفع حاجبيها بطريقة خاصة لا يعرفها سوى عشّاقها .
هتفتُ بحبٍّ هامسًا في أذنها اليمنى :
_ يا أميرتي .. أحتاجك بجانبي لتشيرين لي أن اهدأ .
ضحكتْ ثمَّ قالت :
_ لا تقلق .. ستظل معي .. لن أتركك ، أحتاجُ إلى رجلٍ و لا أجد رجلاً !
فقط أنت !
_ من أين عرفتي أنني سأبقى معكِ ؟
هل تقرأين الغيب ؟
ضحكت ساخرة :
_ أنا يا بني عرّافة ... و أبين زين !
قلدتُها في ضحكتها :
_ بل أنا العرّاف يا صدقتي ...
ثم أشرتُ بيداي بحركة مسرحية و أكملتُ :
_ سأخبركِ بطالعك و طالعي و طالع السويس !
تتابعت إشاراتي :
_ انظري بعد سنوات ... سأعمل بهذه المدرسة على جانب الشارع ، هنا سيصعد برج سكني عملاقٌ ، أمامنا مباشرة ستقام سينما للعشاق فقط ممن هم مثلنا ..
ابتسمتْ ساخرةً :
_ أكمل ... إنك تدهشني !
درتُ حولها دورةً واحدةً ليست كدورات الزمان ، ثم واصلنا السير ... تغيرت نغمات صوتي إلى لحن حزينٍ و انا أتمتمُ :
_ لا لن أتزوجك .. ستضيعين و أضيع في جعبة رجل آخر و امرأة أخرى .. سأنجب بنتي الأولى و أنت أيضا ، و ربما بعدهم عدة أبناء ... هذا هو الواقع سيّدتي !
_ توقفتْ فجأة ... سبقتُها بخطوتين ... السمراء بدت على وجهها تلك النظرة القاسية التي أعرفها في نظرات التعساء في هذا الزمن ..
_ ستتركني ؟!
قالتها بألم و هي تجزُّ على أسنانها .
أردفتُ بحزنٍ :
السويسُ تضطرني إلى ذلك !
هتفت بدهشة :
السويس ؟؟؟!!!
فترة من الصمت ارتسمت بيننا و نحن نسيرُ ، فترة من الصمت أخذت تكبرُ و تكبرُ بطول العمر المار على حافة شوارع مدينتنا . بينما وصلنا إلى أوّل شارع " بورسعيد " ... و صلنا لمبتغانا في ذلك المكتب الهندسي في شارع فرعي يُسمى
" شارع البوسطة البحرية " ... حيث دارت قصّةٌ أخرى ....
كانت كل شوارع السويس تصرخ فيّ .. و .. فيها :
_ مهما حدث .... لا تندما !