مساحة إعلانية

مساحة إعلانية

منبر

الرأي الحر

ناصر كمال : صوت العقل (الحب والكتابة وما بينهما)

2024-01-17 05:58:08 -  تحديث:  2024-01-17 05:59:04 - 
ناصر كمال : صوت العقل (الحب والكتابة وما بينهما)
ناصر كمال
منبر

كنت أزوره بين الحين والآخر في تسعينيات القرن الماضي، وهو ابن المدينة الجنوبية العتيقة، وأنا ابن قرية تابعة لها، ليس فقط لأنه قاص جميل وأديب رائع، فتصبح صحبته فرصة لتبادل الأفكار، وسماع رأيه في كتاباتي القصصية، ولكن أيضا لأقص عليه ما استجد في علاقتي مع “نون” زميلتي الجامعية التي أصبحت ملهمتي لقصص الحب الرومانسية التي كنت أكتبها من حين لآخر في تلك الحقبة.. ينصت لحديثي باهتمام بالغ في كل مرة، ثم بدون أن يتكلم يضع شريط كاسيت لفيروز، لنستمع لصوتها العذب الذي يجسد مشاعر تعجز الكلمات عن التعبير عنها وكأنه يخبرني أن ما أود أن أقوله ها هو يخرج لحنا يملأ الفضاء حولنا .. هناك أيضا سبب آخر لزياراتي المتكررة له، وهو أنه يملك هاتفا منزليا لا تمتلكه أسرتي المتواضعة، وتلك فرصة كبيرة لسماع صوتها.. كان يحضر الهاتف، ويتركني في غرفته حتي لا أحس بالحرج، وفي أغلب الأوقات كنت أسمع صوت والدتها يجيبني، فأغلق الهاتف، وأكمل حديثي معه.
*****
فضل أن يقطن في العاصمة بعد تخرجه من كلية التربية في أوائل التسعينيات فهناك المجد ينتظره.. سوف يصبح كاتبا مرموقا بالتأكيد.. كان قد نشر له عدد لا بأس به من الأعمال القصصية بالصحف والمجلات الأدبية .. طلب أن يكون تعيينه كمعلم للمرحلة الإعدادية بالقاهرة حتي يكون قريبا من دور النشر والصحافة.. أجر غرفة بأربعين جنيها في الشهر، وكان يدفع يوميا جنيهين مقابل المواصلات، وبالتالي أصبحت مصاريفه بعد إضافة ثمن الطعام والشراب تتعدي المئتين من الجنيهات، بينما كان راتبه نحو أربعة وثمانين جنيها مصريا لا غير، فأضطر إلي البحث عن عمل إضافي يكون مجزيا.. مرت السنوات، وكل ما كان يحاول فعله فيها هو البقاء علي قيد الحياة دون أن يجد وقتا للكتابة أو النشر.. الآن كلما أمسك كتابا يتذكر حلمه القديم، ويتمني أن يعود للجنوب.

- أخبرني زميلي في الجامعة أن هناك فتاة قد سمعت بشهرتي في عالم الأدب والقصة، وترغب في أن أقرأ لها ما تكتب فرحبت بذلك، وفي الحقيقة أنا حتي الآن لا أتذكر اسمها “أقصد بذلك الفتاة” ولكني أتذكر اسم قصة من قصصها أرسلتها مع صديقي لأبدي وجهة نظري فيها، وتسمي “كفاح فتاة” والقصة من نوع القصص التي تراها في الأفلام القديمة مع ركاكة في الأسلوب، فأحسست بالحرج في أن أبلغها رأيي صراحة، فاكتفيت بجملة بسيطة من نوع “بداية جيدة يمكن البناء عليها”، واعتذرت لها عن عدم توفر الوقت اللازم لقراءة بقية أعمالها لانشغالي بالدراسة.. بعدها بأيام قليلة أعلنت الجامعة عن مسابقتها للقصة القصيرة، فتقدمت بإحدي قصصي المنشورة في أكبر المجلات العربية وقتها.. عندما ظهرت النتيجة كانت مفاجأة لي أن لا أجد قصتي ضمن القصص الفائزة، أما المفاجأة الأكبر هو فوز قصة “كفاح فتاة” بالمركز الأول.

مساحة إعلانية