مساحة إعلانية

مساحة إعلانية

منبر

المبدعون

كائن لا يبوح.. مؤمن عفيفى

2025-04-09 14:27:14 - 
كائن لا يبوح.. مؤمن عفيفى
القاص مؤمن عفيفى

عزيزي المفقود.. انصت إليَّ الآن بتواضع كعادتك. لي صديق مقرب جدًا. أحب امرأة تصغره بأعوام. ربما ثمانية، أو ستة، أو أكثر. هي صغيرة جدًا، وضئيلة جدًا، رغم طفولتها العجوز. أنجبت وهي عاقر بعض الأولاد الأشقياء. كلّهم ماتوا قبل أن تنجبهم. كانت جميلة في تجاعيد المراهقة، وهي ساندة في كلّ خطوة تخطوها على عكاز الشباب. ملامحها تشبه الموناليزا بعدما شابت، أو رسمة بها الفضاء المتسع، كأنَّ الفضاء بات خارج اللوحة، ولا تبصره إلا داخل الخروج من ذات الرسمة، فتخرج الموناليزا من الذات كممثل يخرج إلى خشبة المسرح والأضواء. ويبقى الفضاء أعزبَ في جوف ما رُسِمَ على امراة تُدْعى (اللوحة). ونام محدقًا بعيونه تجاه الأرض ومن يسكنوها من ناحية. وتجاه السماء وأهل بيتها من ناحية أخرى، كأنمّا نظراته المتكتلة طلقات من الرصاص المنتصر والمهزوم معًا. يُطلق لإحياء السلام ولإماتته في آن متفرد بالوحدة!

الأهم تزوجت هذه المرأة ثلاث وعشرين عزلة قبل أن تحبه. ووُلِدَ في حبها ستة رجال. كلهم طلبوا منها الطلاق قبل انفصال الانطوائية عن إجتماعيتهم المطوية في الزواج منها. أحبت تلك المرأة في عيد الحبّ صاحبي. ولقد عزمت على أن تبشره بشغفها به، وتسليم قلبها إليه بلا توهان أو ضياع. وهو! أين هو ذاك العاشق المتفلسف في الوله التائه؟ كان في المشفى. أصيب بجلطة في حبّه مأواها الفؤاد الضعيف. قيل أنّه علم بقرار حبيبته في الزواج من رجل غيره! وهي تحبه بلا تزييف. باح الخبر لنفسه بزيف جدير بالغثيان. وهكذا طار انتشاره في أجواء المشفى. وأضاف الناقلون بالكذب أنّها ستطلب من روحه فقط أنْ..أنْ تتزوجها. ولكنّ الأوان قد آن فواته. ومات صاحبي. أجل. مات قبل أن يتم سروره بفرحة العمر، وبدلة الفرح، وفستان الزوجة المنتظرة. وقيل قبل النهاية البادئة مات وتزوجها في كَفَنِه بجسد آخر، وبروح أخرى، وبِنَفْس من عالم آخر!.

لقد كانت تلك المرأة كشيء قريب منكَ أنتَ. لقد ظلت تلك الخرفاء تتربصك في الغدوة والعودة، لكي تخطفك من عقارب الساعة الدنيوية. صارت تلك المرأة تحيد خارج الفضاء، وجاءت بالحق، ومزقت اللوحة وما بداخلها من رسومات تشيع مراحل الشيخوخة. وقالت: أنا سكرة الترحيل وَرَحَلَتْ وهي تجرك من يد روحك. كريح عصفت بعلم يرفرف في الأفق، فأخذته الصاعقة، فَخَرَّ ساجدًا على الأرض، مستغيثًا برجعة ليست ببعيدة عن الآفاق. وبَقَيْتَ أنتَ أيُّها المفقود بلا رحيل ولا عودة ولا أشواق.

من صاحبك اللاجئ إليك على الدوام؟.

 الشيء الذي توقف بعد كتابة الرسالة (قاف. لام. باء).

ملاحظة: طالع هذه الرسالة مرتين. واحدة للانقباض، والأخرى للانبساط. والسلام على رئتيك.

ملاحظة أخيرة: ذاك الصديق المقرب لي أنت تعرفه بتحيز للتعارف لا للمعرفة.

 

 

 

 

مساحة إعلانية