مساحة إعلانية

مساحة إعلانية

منبر

المبدعون

قصة قصيرة : سيادة النائب بقلم د/ أيمن الداكر

2025-12-09 12:21 PM - 
قصة قصيرة : سيادة النائب بقلم د/ أيمن الداكر
د.أيمن الداكر
منبر

في نهاية شارع الجمهورية، وقبل أن ينعطف بنا "التوك توك" جهة اليمين، قطع إسماعيل (سائق "التوك توك") حديثه ورفع عقيرته قائلًا: صباح الخير يا سيادة النائب.

كان الرجل الجالس أمام وكالة الأعلاف التي على ناصية الشارع قد أصابته قيلولة مبكّرة، فزع الرجل لنداء إسماعيل، وأجاب بإشارة من يده دون أن ينبس بكلمة أو أن يلتفت نحوه، تأملت قسمات وجهه التي راحت تطرق ذاكرتي بقوة، وقلت في تردّد: أليس هذا هو الحاج عبد اللطيف البحراوي تاجر الغلال؟

أجاب إسماعيل دون أن يلتفت نحوي قائلًا: هو بعينه، سيادة النائب.

ألقيتُ عليه نظرة أخرى قبل أن يغادر "التوك توك" مجال شخيره، ثم استطردتُ قائلًا: في مجلس الشعب أم الشورى.

فأجاب بدون اكتراث: لا هذا ولا ذاك.

-كيف؟ هل اخترعوا مجلسًا ثالثًا في بلادنا؟

قلتها متعجبًا، فتملكته روح شهرزاد، وطفق يقص حكاية الحاج عبد اللطيف البحراوي الملقب بسيادة النائب، فقد قام الرجل بتفصيل خمس جلابيب صوف إنجليزي جديدة، كل واحدة منها لها سبعة (قواطين) ماركة السكة الحديد، وتلبيسة بيضاء من الكتان الفاخر، ابتاع (شالين) من الكشمير الأصلي، ولفّ رأسه بعمامة بيضاء تعانق السماء، وتعلقت في يمينه مسبحة كهرمان بها تسع وتسعون حبة تضيء في الليل والنهار، ثم انطلق يجوب القرى والكفور والنجوع، يشارك في الأفراح ويقدّم واجب العزاء.

كان إسماعيل يتحسّس له المناسبات الاجتماعية في أرجاء المدينة والقرى البعيدة، ثم يحمله في "التوك توك" إلى هناك، يسبقه بخطوتين وهو يزعق قائلًا: تفضل يا سيادة النائب.

فيتبعه الجميع مرحبين: مرحبًا بسيادة النائب، تفضّل يا سيادة النائب.

يشارك في الجلسات العرفية، ويعيد الزوجات الغاضبات إلى مخادع أزواجهن، حتى ذاع صيته وعرفه الناس خير المعرفة، فأعلن ترشّحه لمجلس النواب ليكون خادمًا أمينًا لهم، وقام بطباعة صورة كبيرة لنفسه وضعها أمام وكالته، وكتب عليها بالخط الأحمر العريض.

(الحاج عبد اللطيف البحراوي، مرشحكم للمجلس وتاجر الأعلاف والأسمدة الفاخرة).

أخذ إسماعيل ورفاقه على عاتقهم مسؤولية نشر الخبر بين الناس وحثهم على انتخابه، ثبّت ميكرفون على ظهر "التوك توك" وطاف البلاد مناديًا: انتخبوا صديق الفلاح تاجر الأسمدة الفاخرة والغلال، انتخبوا الحاج عبد اللطيف البحراوي، صاحب وكالة البحراوي على ناصية شارع الجمهورية.

فقلت في رفق: لقد أنفق أموالًا كثيرة؟

أجاب إسماعيل وهو يغالب الضحك قائلًا: ولا مليم.

-ونجح؟ 

قلتها مندهشًا، فأصابته نوبة أشد من الضحك أرتجّ على أثرها جسده كله، شاركته فيها خنفسته السوداء التي كادت تنقلب على ظهرها، وترفس بعجلاتها في الهواء، ثم استطرد بكلمات متقطعة: في يوم الانتخابات، يبحث الناس عن اسم الحاج عبد اللطيف البحراوي، أو رمزه الانتخابي فلم يجدوا شيئًا.

فقلت في حماسة: ماذا، حذفوا اسمه من سجلات المرشحين؟! لا بد أنه قد ارتكب إثمًا عظيمًا.

-ذلك ما أشاعه بين الناس.

توقف إسماعيل لحظة ليتجنب الاصطدام بخنفسة أخرى كانت مسرعة نحونا، بصق على سائقها ثم استطرد قائلًا: الحاج عبد اللطيف لم يقم بالفحص الطبي، ولم يسدّد رسوم الترشح للمجلس، بل لم يتقدم بأوراق ترشحه للجنة المختصة.

قاطعته قائلًا: وأصبح سيادة النائب؟!

فقال إسماعيل ساخرًا: ولا يردّ السلام على من يناديه بغير (سيادة النائب).

مساحة إعلانية