مساحة إعلانية
فاجأها عندما عبَّر لها عن مشاعره، قال لها:
- أحبك.. أحبك...
لم يكن قد رآها إلا مرة أو مرتين وسط حشدٍ كبيرٍ من الناس، ولم ينتبه لها وقتها أو هكذا ظنتْ.
عندما سنحت لها الفرصة لتسمع حديثه عبر الأثير كمعجبة من معجباته؛ تغيرت الأمور فأصبح هو مُعجبًا بها.
رأى روحها وتحسسها في صورة قد جمعهما فيها القدر، تأمل ملامحها في كلماتٍ مكتوبة في عملها الأدبي المبتدئ الذي قدمته له.
لم تكن تتوقع أن صوتًا عبر الأثير يمكنه أن يوقظ في قلبها شيئًا، كان نائمًا منذ زمن بعيد،
كانت تستمع إليه كل مساء، يتحدث في برنامجه الإذاعي عن الفن والأدب ، عن الحب، عن المدن التي تسكن الأرواح. لم يكن يراها، لكنها كانت تراه لا بعينيها، بل بقلبها.
في إحدى الحلقات، بعثت برسالة قصيرة، كلمات عابرة كأنها نسمة:
- صوتك يرسم ملامح الحياة في قلبي.
لم تتوقع أن يقرأها، لكنه فعل، وتوقف عندها طويلًا صامتًا، كما لو أن الكلمات لم تكن غريبة عنه.
في اليوم التالي قال على الهواء:
- ثمة من بين المستمعين من يرى ما لا نراه نحن، يسمع ما لا يُقال. إلى من كتبت لي أمس… أحببت كلماتك. أحببتك...
تجمّدتْ في مكانها، قلبها ينبض كطبولٍ صغيرة. كيف عرف؟! وكيف أحس بها؟
لم يكن قد رآها إلا مرة واحدة أو مرتين عابرتين، في ندوة أدبية، كانت واحدة من عشرات الزائرات، لكنه لم ينتبه إليها … أو هكذا ظنت.
مرّت أيام وتواصل معها عبر البريد الإلكتروني المرفق برسالتها. أخبرها أنه بعد أن قرأ كلماتها، بحث في صوره القديمة، يتأمل الوجوه، يستعيد اللحظة التي ربما التقيا فيها
- كنتِ هناك، أليس كذلك ؟ ترتدين وشاحًا بُنيا ؟
أجابت بدهشة:
- كيف عرفتَ؟
قال:
- لأن عينيّ لم تريا، لكن قلبي فعل...
تكرّر التواصل. أصبحا يتحدثان يوميًا. الكلمات تقرّب المسافات، والقلوب تنفتح شيئًا فشيئًا،
وفي يومٍ مشمسٍ، التقيا مجددًا. هذه المرة، لم تكن وسط الحشد. كانت فقط هي… وهو
نظر إليها وابتسم:
- عرفتكِ من اللحظة الأولى.
قالت بخفوتٍ:
- وأنا أحببتك… منذ تلك اللحظة.
في عينيه، وجدت نفسها. وفي عينيها، وجد وطنه.
جلسا على مقعد خشبي في زاوية هادئة من الحديقة، وأوراق الشجر تتساقط ببطء ، كأن الزمن يخفف من سرعته احترامًا للّحظة.
همس إليها:
- صدقيني… حين قرأتُ كلماتكِ شعرتُ أنني أعرفكِ منذ زمن. لم أقرأ رسالة، بل قرأت قلبي
ردتْ بابتسامة خجولة:
- وأنا لم أكن أكتب لفنان لا يعرفني… كنتُ أكتب لرجل أحسست أنني أنتظره دون أن أدري.
راح يتأملها وقال:
- أتذكرين الندوة ؟ كنتِ هناك، صحيح؟ كنتِ تستمعين إلى كلماتي ، ورؤيتي الأدبية لأعمال المشاركين الهواة مثلك؟
ضحكتْ:
- نعم … شعرتُ أنك تُشبهني، هادئ ، لكنك تواري الكثير من مشاعرك.
- كنتُ أراقبك من بعيد، لكنني لم أجرؤ على الحديث. الآن فهمتُ… كنت خائفًا من أن أفسد شيئًا جميلاً قبل أن يبدأ.
قالت بودٍ:
- لكنك لم تُفسد شيئًا… بل بدأتَ في داخلي شيئًا لم أعرفه من قبل.
بصوتٍ مبحوح قال:
- هل تصدقين أننا التقينا بالكلمات، قبل أن تلتقي العيون؟
قالت بحبٍ:
- الكلمات تُشبه الأرواح… لا تُخطئ طريقها...