مساحة إعلانية
ناصر كمال
كثير من الكتاب يتساءلون عن جدوي الكتابة في عصر يبدو أن له أدواته المختلفة في الحكم علي الأشياء حيث أنصرف الناس عن القراءة وراحوا وراء سبل أخري فمن كان يقرأ للتسلية وجد في وسائل التواصل الاجتماعي ضالته حيث فوضي الفيديوهات المتنوعة وقل عدد من يبحث عن المعرفة والثقافة الحقيقية وخاصة بعد ظهور الذكاء الاصطناعي الذي مكننا من مجرد كتابة عنوان أن يعد للباحثين كل المعلومات حول موضوع الدراسة وفي ثوان معدودة ويبدو أن عالم الثقافة الحقيقية التي يجد أصحابه متعتهم في القراءة تقلص حتي أنه اقتصر علي عالم الكتاب أنفسهم بل إن هناك من يدعي بكونه كاتبا وهو لم يقرأ كتابا واحدا حيث زاد عدد الكتاب وأصبح الوصول للتميز صعبا فقد زاد الضجيج وقل الطحن وبالتالي السؤال عن جدوي الكتابة أصبح حتميا وخاصة مع انتشار الغلاء في العالم وسيطرة النظرة المادية للأمور جعل الكتاب الحقيقيون يقضون جل وقتهم في السعي حول لقمة العيش وبدأ بعضهم في الحديث عن الاعتزال.
ما الجدوى؟ سؤال أخذ يردده البعض حين يجد الواحد منهم نفسه وقد قضي معظم حياته كاتبا ومبدعا ومهتما بنشر الثقافة ولا يجد في المقابل ما يعينه علي مشقات الحياة بل أن هناك أخبارا تصله عن حصد البعض الآخر لملايين الجنيهات من مجرد استباحة حرمة بيته علي مواقع التواصل الاجتماعي أو من صناعة المحتوي الهابط سواء تمثيلي أو غنائي أو اللعب علي وتر الفضول الإنساني وصناعة الترند بينما لم يعد للثقافة الجادة سعر فقاربت علي الاندثار وربما سوف تكون حبيسة الكتب طالما العالم يستمر في الصعود إلي الهاوية.
ما الجدوى؟ من كتابة هذا المقال نفسه وهل يجد من يقرؤه بعناية؟ فلماذا إذا أقضي ساعات أحاول أن أرتب فيها أفكاري وأتفادي فيها الأخطاء اللغوية؟ وآمل أن أثير عقل القارئ للتفكير ومحاولة التغيير للأفضل... إنه سؤال صعب في الحقيقة ولا أجد له إجابة شافية كغيري من الكتاب والمبدعين والمفكرين فكمْ من مرة قررت فيها الاعتزال وتراجعت؟ وذلك لأنه ربما تكون الكتابة هي ما تجعلني قادرا علي احتمال تلك الحياة وربما لأن الكتابة هي الرابط الوحيد الذي ما يزال يربطني بواقع كوني إنسانا لا يبحث عن لقمة العيش فقط بل هناك روح فيه تواقة لعالم من الخيال وما تزال تجد متعتها في القراءة والكتابة وربما لأن هناك ما يزال بقايا أمل في أن يعود العالم لصوابه وتصبح هناك جدوي حقيقية من الكتابة.
hyasser10@yahoo.com