مساحة إعلانية

مساحة إعلانية

منبر

الرأي الحر

شحاته زكريا يكتب : ضربة في قلب الخليج.. ماذا بعد هجوم الدوحة؟

2025-09-14 13:23:20 - 
شحاته زكريا يكتب : ضربة في قلب الخليج.. ماذا بعد هجوم الدوحة؟
شحاتة زكريا
منبر

لم يكن الهجوم الإسرائيلي على الدوحة مجرد عملية عسكرية خاطفة استهدفت قيادات فلسطينية أو بعث برسائل محدودة المدى ، بل كان حدثا مفصليا هز الإقليم بأكمله ، وأعاد طرح السؤال الأهم: من يملك حق فرض قواعد اللعبة في الخليج ومن يدفع ثمن إعادة رسم خرائط الصراع؟ فالدوحة لم تُقصف بوصفها جغرافيا صغيرة وإنما لأنها رمز لسياسات أكبر ومرآة لانكشافات أخطر في لحظة إقليمية متوترة.

الهجوم في جوهره تجاوز البعد الأمني إلى بُعد سياسي عميق، لأنه استهدف منطقة يُنظر إليها تقليديا على أنها محصنة بثقلها الاقتصادي ومكانتها الاستراتيجية وارتباطاتها الدولية، وفي مقدمتها العلاقة مع الولايات المتحدة. أن تصل إسرائيل إلى هذه النقطة الجريئة، فهذا يعني أن كل الخطوط الحمراء باتت قابلة للاختراق وأن المنطقة مقبلة على مرحلة أكثر اضطرابا حيث لم يعد أحد بمنأى عن ألسنة اللهب.

السؤال الذي يفرض نفسه هنا: ما الذي أرادته إسرائيل من ضرب الدوحة؟ هل كان الهدف توجيه رسالة إلى حماس وحلفائها فقط أم أن الرسالة تتجاوز حدود غزة لتطال الخليج بأكمله؟ المؤكد أن الضربة حملت أكثر من معنى. فهي من ناحية تكشف عن مأزق داخلي إسرائيلي يبحث عن انتصار خارجي لتغطية إخفاقاته المستمرة في غزة ومن ناحية أخرى تسعى لجرّ المنطقة إلى معركة أوسع تُعيد خلط الأوراق وتفتح مساحات تفاوض جديدة من موقع قوة.

لكن الحسابات الإسرائيلية ليست بهذه البساطة. فالهجوم على قطر يضع الولايات المتحدة في مأزق صريح إذ إن واشنطن التي لطالما اعتبرت الخليج خطًا أحمر ومركزا لمصالحها الحيوية تجد نفسها الآن مضطرة للرد أو التبرير أو على الأقل إعادة النظر في طبيعة التوازنات. فصمتها يعني أنها لم تعد قادرة على ضبط إيقاع إسرائيل ، وأن التحالفات التقليدية بين واشنطن ودول الخليج قد تتعرض لهزة غير مسبوقة. أما إذا حاولت التهدئة أو الضغط ، فإنها ستدخل في اختبار جديد مع حكومة إسرائيلية تبدو مستعدة لتحدي حتى أقرب حلفائها.

الأمر لا يتوقف عند واشنطن وحدها. فالعالم بأسره يراقب بقلق هذا التحول. أوروبا التي تبحث عن استقرار في أسواق الطاقة تدرك أن أي اهتزاز في الخليج سيعني ارتفاعا في الأسعار وارتباكا في الإمدادات ، وعودة شبح الأزمات الاقتصادية. والصين التي ضخت استثمارات ضخمة في المنطقة لن تقبل بسهولة أن يتحول الخليج إلى ساحة مفتوحة للنيران، فيما تجد روسيا في التصعيد فرصة لتعزيز حضورها كلاعب بديل في معادلة الطاقة والتحالفات.

أما على مستوى الخليج نفسه فإن الضربة تمثل تحديا مزدوجا: تحديا للأمن الداخلي الذي اعتاد أن يبقى بعيدا عن الاستهداف المباشر وتحديا لفلسفة "النأي بالنفس" التي اعتمدتها بعض العواصم في إدارة الصراع الفلسطيني الإسرائيلي. فما حدث في الدوحة يرسل إشارة واضحة مفادها أن الحياد لم يعد خيارا مضمونا وأن النار يمكن أن تصل إلى أي مكان حتى لو كان محسوبًا على منطقة مستقرة نسبيًا.

في ظل هذا المشهد المعقد تبدو المنطقة أمام مسارين محتملين. الأول هو مسار التصعيد حيث تنجر الأطراف إلى سلسلة من الضربات المتبادلة ما يفتح الباب أمام حرب إقليمية مفتوحة تعجز حتى القوى الكبرى عن ضبطها. والثاني هو مسار التهدئة القسرية حيث تضطر القوى الدولية إلى التدخل السريع لاحتواء الموقف حفاظا على استقرار أسواق الطاقة ومنعا لانهيار مزيد من التحالفات. وبين المسارين تبقى الحقيقة أن ما بعد هجوم الدوحة لن يشبه ما قبله.

المثير أن الضربة جاءت في لحظة يُعاد فيها طرح أسئلة كبرى حول مستقبل النظام الإقليمي. هل يمكن أن يستمر الخليج في الاعتماد الكلي على المظلة الأمريكية؟ هل يمكن أن تبقى القضية الفلسطينية خارج حسابات أمنه المباشر؟ وهل تستطيع الدول العربية أن تُعيد صياغة موقف جماعي يوازن بين ضرورات الأمن وبين ثقل الرأي العام الذي لا يحتمل صمتا طويلا على استهداف مدنيين وأراض عربية؟

لقد هزّت النيران الإسرائيلية في سماء الدوحة يقينا ظل راسخا لعقود: أن الخليج بعيد عن صخب الصراعات المباشرة. واليوم لم يعد ذلك ممكنا. فالخرائط يعاد رسمها بقوة السلاح، والوعي الجمعي للشعوب يزداد غليانا والتحالفات تتعرض لاختبارات غير مسبوقة. وما كان يُنظر إليه كاستثناء آمن أصبح في لحظة ساحة محتملة للمعارك.

إن الضربة في قلب الخليج ليست مجرد حادثة عابرة بل جرس إنذار يدعو الجميع إلى إدراك أن المنطقة كلها تقف على حافة تحولات كبرى. وما سيحدث في الأيام المقبلة سيحدد ما إذا كان الشرق الأوسط سينزلق إلى فوضى أوسع أم سيُجبر على إعادة ترتيب قواعد اللعبة من جديد. لكن المؤكد أن الدوحة بعد الضربة ليست كما كانت قبلها وأن الخليج بأكمله بات أمام سؤال مصيري: كيف يحمي نفسه حين تصبح العواصم أهدافا، وحين ينهار الخط الفاصل بين الحروب البعيدة والبيوت القريبة؟

مساحة إعلانية