مساحة إعلانية
مساحة إعلانية
في نصها "وطلع مفيش بعدين"، تقدم الكاتبة ضحى أحمد الباسوسي تأملًا شعريًّا موجعًا في فلسفة اللحظة والزمن والفقد عبر صوت أنثوي حساس يلامس الحواس والمشاعر في آن، وكأنها تنقّب في قلب القارئ عن تلك المساحات المؤجلة من الحب والانتباه والحنين.
النص يميل إلى الخواطر السردية ذات البعد الفلسفي التأملي، ويقوم على المفارقة المؤلمة بين ما كانت تظنه البطلة وما أدركته متأخرًا، لا يعتمد النص على الحبكة التقليدية أو الأحداث المتتابعة، بل يرتكز على التحول الداخلي في وعي الشخصية من وهم الامتداد الزمني إلى يقظة اللحظة.
اللغة في نص ضحى أحمد الباسوسي تشبه أنينًا داخليًا منسوجًا بشعرية خافتة تخاطب الروح قبل العقل، فتمنح النص إيقاعًا داخليًا متواترًا، يذكّرنا بنبض متقطع، أو خطوات على طريق لم يُكمل.
الثيمة التي يدور حولها النص هي قيمة اللحظة مقابل وهم الامتداد، هذا الصراع الوجودي بين التأجيل والانتباه يُطرح عبر سرد ذاتي بصيغة أقرب للاعتراف ، لا تقدم الكاتبة وعظًا مباشرًا، إنها تمرر درسًا عميقًا بلغةٍ رقيقة وعاطفية، تجعلنا نعيد النظر في تفاصيلنا اليومية الصغيرة.
يبدو أن النص يتعامل مع الفقد ليس كحدث خارجي، وإنما كتحوّل داخلي جذري، ليس الموت فقط هو النهاية المفاجئة، بل كل ما لا يُعاش في حينه، وكل من نغفل عن احتضانهم في التوقيت الذي يحتاجون فيه إلى حضورنا.
العبارة الأخيرة، "لأن بعدين لا يُنسى" صرخة اعتذار متأخرة لكل ما ضاع في زحمة الانشغال.
رغم قصرها، تحمل القصة نضجًا سرديًا عميقًا، وتتقاطع مع نصوص كبار الكتاب الذين تناولوا الزمن كهاوية مفتوحة ، غير أن ما يميز نص الكاتبة الواعدة ضحى أحمد الباسوسي هو الصدق العاطفي والشفافية، فلا تجد فيه تكلّفًا بلاغيًا، بل جمال نابع من جرحٍ شفيف.
"وطلع مفيش بعدين" مرآة نُطلّ منها على أرواحنا المؤجلة، نص يوقظ القلب بلطف، ويُذكّرنا أننا لا نملك إلا "الآن"، وأن كل تأجيل هو رهان خاسر مع الحياة، الكاتبة ضحى أحمد الباسوسي تُثبت بهذا النص أن القِصَر لا يعني الضحالة، بل قد تختصر جملة واحدة ما لا تقوله رواية كاملة.
نص يوجع، لكنه يوجعك لتصحو، وهذا في النهاية هو دور الأدب الحقيقي.
مساحة إعلانية
مساحة إعلانية
