مساحة إعلانية

مساحة إعلانية

منبر

الرأي الحر

"دُكان الكلام" لصاحبه محمود رمضان الطهطاوي "الغرفة المحرمة"

2025-09-15 23:52:37 - 
"دُكان الكلام" لصاحبه محمود رمضان الطهطاوي "الغرفة المحرمة"
محمود رمضان الطهطاوي
منبر

تظل المكتبة المكان المحرم الذي أن دخله أهل البيت دخله برهبة، ولا يستطيع أحد أن ينقل أي شيء من مكانه ، والتعليمات صريحة لا أحد ينظف الغرفة، ولا أحد يدخلها وإنا غير موجود ، هنا كل شيء له قدسيته ، فأصبحت المكتبة هي الغرفة المحرمة التي يهابها الجميع ، ويخاف أحد يدخلها ويعبث بأي شيء فيها ، فيتحول هدوئي المعهود إلي ثورة عارمة ، وطيبتي إلي بركان هادر يقتلع كل شيء أمامه . 
لما لا وهذا المكان بكل تفاصيله وما فيه يحمل عشقي الأثير ، وكما قال الشاعر : (لنا جُلساء لانمل حديثهم  /  ألباءُ مأمونون غيبا ومشهدًا/ يفيدوننا من علمهم : علم ما مضى/ ورأيًا وتأديبا ومجدا وسؤددا/ فإن قلت:أموات ، فلم تعد أمرهم،/وإن قلت : أحياءـ فلست مفندًا).
أصدق أبيات عن تلك العلاقة بيني وبين كتبي ومكتبتي وغرفتي المحرمة التي تحتويني وتسرقني من العالم بأسره ، فأجد بينها الدفء، ومعها الراحة، وفي همسها ولمسها السعادة ، هنا يتجسد الجمال ، وتتصارع الحروف تتدفق لتهبني أعمارا علي عمري ، وتبرز الصور والخطوط والألوان وتشكل بعالمها الساحر هذا الثراء والزخم المبهج .
علاقة لا يعرفها إلا من ذاق وعاش اللحظة ، وكما قالوا « من ذاق عرف» ، هنا أجلس مع الأساتذة دون تهيب ، وأنا جالس خلف مكتبي ،وأنا مستقلي علي السرير الصغير الموضوع في أحد أركان الغرفة والمزدحم والمتناثر فوقه عشرات الكتب والصحف والمجلات والأوراق ، في حصار بهيج وممتع ، أشعر معه بلذة تفوق أي لذة،ومتعة تفوق أي متعة ، هنا أستدعي أي كاتب أوشاعر من قلب الغرفة ، فجميعهم يرقد علي الأرفف ، وفي أركان الغرفة ، يهلل ويفرح عندما أضعه أمامي ليسرد ويحكي ويقص وينشد و..... الخ .
أي سعادة تلك التي توجتني بها تلك الغرفة التي زحفت علي أركان كثيرة من البيت وأود أن أنزع عنها تلك  القداسة  لتصبح مشاعا للجميع .
ربما أفعل ذلك عندما أجد علاقة حميمة بينهم وبينها بدأت تتشكل وتنمو. 
ربما.

مساحة إعلانية