مساحة إعلانية
تظل المكتبة المكان المحرم الذي أن دخله أهل البيت دخله برهبة، ولا يستطيع أحد أن ينقل أي شيء من مكانه ، والتعليمات صريحة لا أحد ينظف الغرفة، ولا أحد يدخلها وإنا غير موجود ، هنا كل شيء له قدسيته ، فأصبحت المكتبة هي الغرفة المحرمة التي يهابها الجميع ، ويخاف أحد يدخلها ويعبث بأي شيء فيها ، فيتحول هدوئي المعهود إلي ثورة عارمة ، وطيبتي إلي بركان هادر يقتلع كل شيء أمامه .
لما لا وهذا المكان بكل تفاصيله وما فيه يحمل عشقي الأثير ، وكما قال الشاعر : (لنا جُلساء لانمل حديثهم / ألباءُ مأمونون غيبا ومشهدًا/ يفيدوننا من علمهم : علم ما مضى/ ورأيًا وتأديبا ومجدا وسؤددا/ فإن قلت:أموات ، فلم تعد أمرهم،/وإن قلت : أحياءـ فلست مفندًا).
أصدق أبيات عن تلك العلاقة بيني وبين كتبي ومكتبتي وغرفتي المحرمة التي تحتويني وتسرقني من العالم بأسره ، فأجد بينها الدفء، ومعها الراحة، وفي همسها ولمسها السعادة ، هنا يتجسد الجمال ، وتتصارع الحروف تتدفق لتهبني أعمارا علي عمري ، وتبرز الصور والخطوط والألوان وتشكل بعالمها الساحر هذا الثراء والزخم المبهج .
علاقة لا يعرفها إلا من ذاق وعاش اللحظة ، وكما قالوا « من ذاق عرف» ، هنا أجلس مع الأساتذة دون تهيب ، وأنا جالس خلف مكتبي ،وأنا مستقلي علي السرير الصغير الموضوع في أحد أركان الغرفة والمزدحم والمتناثر فوقه عشرات الكتب والصحف والمجلات والأوراق ، في حصار بهيج وممتع ، أشعر معه بلذة تفوق أي لذة،ومتعة تفوق أي متعة ، هنا أستدعي أي كاتب أوشاعر من قلب الغرفة ، فجميعهم يرقد علي الأرفف ، وفي أركان الغرفة ، يهلل ويفرح عندما أضعه أمامي ليسرد ويحكي ويقص وينشد و..... الخ .
أي سعادة تلك التي توجتني بها تلك الغرفة التي زحفت علي أركان كثيرة من البيت وأود أن أنزع عنها تلك القداسة لتصبح مشاعا للجميع .
ربما أفعل ذلك عندما أجد علاقة حميمة بينهم وبينها بدأت تتشكل وتنمو.
ربما.