مساحة إعلانية
 
                             
                                    
كتب / صابر جمعة سكر
في تصريحات خاصة لـ"منبر التحرير"، وصف الدكتور محمد حسين، أستاذ القانون الدولي بجامعة القاهرة – فرع الخرطوم، الحرب التي شنّها الكيان الصهيوني على إيران بأنها كانت مفاجِئة وصادمة، خاصة في ظل أجواء من الحديث عن مفاوضات مباشرة بين واشنطن وطهران بوساطة عمانية.
وأضاف أن إعلان وقف إطلاق النار جاء هو الآخر مفاجئًا، حيث صدر بشكل منفرد عن الرئيس الأميركي دونالد ترمب، وذلك بعد ردٍّ إيراني محدود استهدف قاعدة "العديد" الأميركية في قطر، كرسالة رمزية لحفظ ماء الوجه أمام الداخل الإيراني، خصوصًا أن الرد لم يسفر عن أي خسائر تُذكر.
وأشار الدكتور حسين إلى أن هذا التطور يطرح تساؤلات جوهرية حول مآلات المواجهة: من الطرف المنتصر؟ ومن الخاسر الأكبر؟ وكيف سيكون تأثير ذلك على الأطراف الفاعلة، لا سيما أن الولايات المتحدة لم تكن فقط داعمًا للعدوان، بل طرفًا مباشرًا فيه، مما يستوجب إعادة تقييم دورها وموقعها في النظام الدولي، إلى جانب التساؤل عن مستقبل القانون الدولي والمنظمات الأممية، وعلى رأسها الأمم المتحدة.
كما شدد على أهمية التساؤل حول موقع العالم العربي والإسلامي: "هل سيظل متلقيًا للضربات، أم سيُعيد تموضعه كطرف فاعل في المعادلة الدولية؟"
الولايات المتحدة: الحضور الأقوى... والوجه الحقيقي
أثبتت الحرب أن الولايات المتحدة ما زالت اللاعب الأقوى في الشرق الأوسط، إذ وجّهت ضربة مؤثرة للبرنامج النووي الإيراني، وأكدت نفوذها على القرار الإسرائيلي، كما أثبتت تفوقها العسكري، مقابل تراجع قوى دولية أخرى كروسيا والصين والاتحاد الأوروبي.
لكن في المقابل، كشفت هذه الحرب الوجه الحقيقي للولايات المتحدة: دولة لا تعبأ بشرعية القانون ولا بالمبادئ الديمقراطية التي تتغنى بها، إذ خاضت حربًا بلا سند قانوني أو دستوري، متجاوزة الكونغرس، في مخالفة صريحة للدستور الأميركي، الفقرة الثالثة والرابعة من المادة ٢ من ميثاق الأمم المتحدة .
كشفت الحرب أن واشنطن دولة غادرة، تتحدث عن السلام بينما تُضمر العدوان، وترعى كيانًا يمارس الإبادة الجماعية في غزة، ما عزز مشاعر العداء تجاهها في الشارع الإسلامي، وأضر بمصالحها الإستراتيجية.
إيران: صواريخ الردع... وثغرات النظام
برزت إيران كقوة قادرة على تهديد الكيان الصهيوني، حيث وصلت صواريخها إلى عمق الأراضي المحتلة، وأحدثت حالة رعب ونزوح جماعي نحو قبرص.
فرضت إيران معادلة ردع جديدة، وأظهرت استعدادها للرد، ما اضطر الكيان لقبول وقف إطلاق النار. كما تمكنت من الحفاظ على مراكز قوتها وبرنامجها النووي.
في المقابل، كشفت الحرب عن ضعف دفاعاتها الجوية، وعن اختراق استخباراتي كبير من الموساد، ما يعكس أزمة الأنظمة السلطوية، حيث تنشغل الأجهزة الأمنية بالسياسة على حساب أمن الدولة.
ورغم هذه الثغرات، خرجت إيران بشعبية جارفة في الشارع العربي، إذ بدت وكأنها الدولة الوحيدة التي انتقمت لغزة.
الكيان الصهيوني: إنجازات استخباراتية... وسقوط هيبة
نجح الكيان في إبطاء البرنامج النووي الإيراني، واغتيال شخصيات محورية، وأكد تحالفه الوثيق مع واشنطن. لكنه في المقابل تلقى ضربة صاروخية كشفت ضعف منظومته الدفاعية، وبيّنت عجزه عن حماية نفسه دون دعم أميركي.
الحرب أكدت هشاشة المجتمع الصهيوني، حيث سارعت أعداد كبيرة من الإسرائيليين إلى الهروب عبر البحر بعد أولى الضربات، رغم توافر الملاجئ والغذاء، ما أبرز ضعف انتمائهم للأرض.
وتآكلت صورة "الجيش الذي لا يُقهر"، ما ينعكس سلبًا على مشروع "السلام" مع دول المنطقة.
القانون الدولي والأمم المتحدة: حضور رمزي... وانعدام فاعلية
الحرب خالفت قواعد الشرعية الدولية بشكل صارخ، وفضحت عجز مجلس الأمن أمام الفيتو الأميركي، ما أضعف مكانة الأمم المتحدة أمام غير المتخصصين.
ورغم صدور قرار من الجمعية العامة للأمم المتحدة في 13 يونيو 2025، بأغلبية 149 دولة، يطالب بوقف إطلاق النار في غزة ورفع الحصار، فإن غياب التنفيذ حدّ من فاعليته، وحصره في الجانب الأدبي الرمزي.
غير أن هذا الفشل لا يُعزى إلى القانون أو المنظمة، بل إلى ضعف الإرادة العربية؛ فالقانون الدولي لا ينفذ نفسه، وإنما يحتاج إلى قوة تسانده
العالم العربي: الغائب الأكبر... والمسؤول عن التراجع
العرب هم الخاسر الأكبر من هذه الحرب؛ فقد بدت الدول العربية عاجزة، تابعة، وغير قادرة على حماية أمنها القومي، الذي بات مرهونًا بالحماية الأميركية، رغم عدائها المتجذر مع الكيان الصهيوني.
ولا يوجد مشروع عربي مستقل مقابل للمشروع الصهيوني – الأميركي.
في المقابل، يشهد العالم الإسلامي نهوضًا ملحوظًا: تركيا، إيران، باكستان، ماليزيا، سنغافورة...
في حين يمتلك العرب ثروات هائلة وقوة روحية، لكنهم يفتقرون إلى الإرادة السياسية. والمشكلة الأعمق هي غياب الديمقراطية.
الديمقراطية في إسرائيل مكّنتها من التفوق، أما غيابها في الدول العربية فهو ما أخرج الشعوب من معادلة التأثير.
لذلك، يبقى التحول الديمقراطي مفتاح الإصلاح، وبداية أي مشروع نهضوي حقيقي.
الخلاصة: لا بديل عن وعي الشعوب
إن استمرار العرب في موقع المتفرج لا يغيّره إلا تحرك من الداخل، يبدأ بإعادة الشعوب إلى المعادلة، وطرح مشروع ديمقراطي نهضوي، ينطلق من الوحدة، ويستثمر عمقهم الإسلامي، ويواجه المشروع الاستعماري المتجدد بأدوات جديدة.
فالمعادلة لن تتغير إلا بوعي الشعوب، وإصرارها على استعادة الفعل، بدلًا من البقاء تحت رحمة من يصنع القرار.