مساحة إعلانية

مساحة إعلانية

منبر

المبدعون

حامــل الفــأس

2023-06-17 02:26:57 - 
حامــل الفــأس
الاديب بهاء الدين حسن
منبر

قـــال الأخ الأصغــر ـ الذى كــان يتوسـط الغيط بفأسـه، والعرق يتصبب على جبينه ، وهــو يتأمل فتـاة كانت تمــر أمامـه حاملـة على رأسها صـرة تفــوح منها رائحة يشتمها الجائع ويتبينها تمـاما من على بعد ، وتتجــه صوب غيط العجمى ـ لأخيه الأكبر وهو يبتلع ريقه ويجفف عرقه ...

ـ الأيام تجرى ... !!

رد الأخ الأكبـر ـ الــذى كان يقف عند رأس الغيـط بجلبابـــه الأبيــض وحـذائه اللامع ـ على أخيه الأصغر، وهو الآخر يتأمل الفتاة ...

ـ اطمئن ... عندى لك مفاجأة .. !!

وبرم شاربه وهندم نفسه وولى متجها صوب غيط العجمى ... ؟!

فقال الأخ الأصغر لأخيه الأكبر، بعد أن إطمأن لكلامه ....

ـ أبى قال لى وهو على فراش الموت أنك ولى أمرى ... !!

وكان قد إبتعد عنه فصاح فى إثره بصوت مرتفع ....

ـ فتولى الأمر ... !!

وأهــوى ـ بنشـاط وجديــة ـ بفأســه يشـق باطن الأرض، وكأنــه يوقظها من جدبها لتقوم وتخضر !!

***

بكى الأخ الأصغر واعتصر الحـزن فـؤاده ، وهـو يـرى ابنة العجمى تزف إلى أخيــه الأكبر ، وتنضم إلى حريمه !!

فى الصباحيـة تقـدم الأخ الأصغر بخطى متثاقلة من أخيه الأكبر ، وهو يوارى دمعة تكاد تنحدر على خده ... قال له بعد أن ـ على مضض ـ هنأه ...

ـ الأيام تجرى .... ؟!

رد عليه الأخ الأكبر ....

ـ إطمئن ... عندى لك مفاجأة !!

وخــرج إلى الغيــط حامـــلا فاسه مصحوبا ببعض التوجيهات من أخيه الأكبر الذي كان يجلس متربعا علي الدكة، يلعق في شاربـه وبجـواره العجمية تلقمه مما لذ وطاب

و ... جرت الأيــام .. شــاب الصغير وتقـوس ظهر الكبير ... قـال الشايب لذى الظهر المقوّس ، وكانا يتشمسان فى فناء الدار ....

ـ ألم يأن الأوان لتعلن لى عن المفاجأة ؟!

***

جاهــد ذو الظهـر المقـوّس ، وكانت الشمس تميـــل إلى الغـروب ، وهو يقف متوكئــا على العجميـــة ، بعـد أن رمى الشايب بنظــرة رثــاء وتهـكـم ، وراح يجـرجـر  فى قدميه وهو يدندن ....

" أنا عاوزه عريس ببايب ..... مش يابا يكــــون شايب

عايـــق وكلـــــه فتـــــــوة ..... مش زى الحبــل الدايـب " !!

فضحـك أبنائـه وأبناء أبنائــه وزوجاتـــه وزوجــات أبنائـه ، وهم يتسحبـــون ويتسللون خلفه كسرب من الأوز ، تاركين بعض التعليقـات والتلميحات تنـخر فى عظـام الشايب " راحت عليك ياشايب .... خد لك فى القبر نايب " !!

" مين دى إللى ترضى بيك .... وإنت لا صحة أو مال يحميك " ؟!

بصوت استجمعه الشايب من قاعه صرخ ...

ـ لى فى المال مثلما لذى الظهر المقوّس !!

ثم دخــل فى نوبــــة سعال أخذته بعيدا عن المكان والزمان ، طرحته أرضا ثم رفعته عاليا ثـــم ـ مرة أخرى ـ هوت به فى دوامة لم يفق منها إلا على صوت أشد وقعا

***

ـ ليس لك أو لذى الظهر المقوس إلا لقمة العيش والمأوى !!

كانت قــــواه قد خـــارت والأرض من تحت قدميه تكاد تميد به ،أحس الشايب بالوحشة  والدنيا من حولـه كما لـو كانت لمبه أطفأتها يـد ضبابية .. !!

تحامــل على نفسه وقام يتخبط تاركا فناء الدار إلى الخارج ، وسرعان ماعاد وحجــره يمتلىء بالطوب والزلــــط ... راح يقــذفــهــم وهــو يصيــح ويتنطط بصبيانيـة ، والدموع تسيل على خــديــــه ...

ـ أنا عاوز المفاجأة ... هه .... أنا عاوز المفاجأة .... هه ... ؟!

بينما الجميع داخل حجراتهم يضجــــون بالضحك، وهناك صــوت يتسـلل من داخل الحجرات الموصدة وينطلق بشفقـة وأسى ...

ـ حرمانه من اللحاق بقطار الزواج أصابه فى مخه !!

فأنطلق صوت آخر يتساءل بسخرية وتهكم ...

ـ هل هو حرمانه من اللحاق بقطار الزواج فقط ... ؟!

وأخذت الأصوات داخــل الغرف المغلقة تعلـو حينا وتخفت حينا، وتتداخل فى بعضها البعض بمــا لايسمــح بتفسيرها وتمييزهـــا، غيــر أن صـــوت بكــاء الشايب، وهو يقبـع وحيـدا فى الفنـاء ، ظل هو الصوت المميز والواضح !!

مساحة إعلانية