مساحة إعلانية
رزمة الورق الأبيض لاتزال فوق المنضدة تجاورها عدة اقلام من انواع واشكال مختلفة ،الأباجورة المحنية في اتجاهها مطفأة ،لكنها تركت اضاءة الغرفة متقدة ،لم تكتب ابدا منذ بداية مشوارها الأدبي على ضوء الغرفة، ادمنت الكتابة في الظلمة ،مكتفية بضوء الأباجورة الصغيرة ،الذى لا ينير طريقا أطول من خط القلم المستخدم ،أمسكت القلم بيد مرتجفة ،عدلت الأوراق أمامها ،وكتبت:
ما ستقرؤونه الآن ليست قصة ولا قصيدة ولا رواية ،ليست خيالا أدبياً ،ولا شطحة راوى ،ما تقرؤونه الآن كلام سخيف لا أصدقه حتى لحظتي هذه، قال احد المعتوهين الذين امتازت عيادتهم بتعليق عدد ليس قليل من شهادات الدكتوراة لي أننى مريضة ،وان كل ما اعيشه خيالا صنعته بيدي ،ـو وهما خلقه خيالي ،يقول : ان صلتي بالجان كذبة اختلقتها ذات خوف وصدقتها بمرور الزمن ،وإنني لست كما أزعم ،لا أنا الطاهرة النقية ،ولا أنا العاهرة المدنسة ،أنا امرأة عادية جدا ،لا يميزني عن أي امرأة أخرى شيء ،وان كل ما أراه من احداث بشرية أو جنية حوارات اختلقها عقلي ، ذهبت إليه اشكو كآبة ألمت بي بعد انفصالي عن زوجي بسبب خياناته المتعددة ، والذى لم يترك أنثى تعرف عليها إلا وكانت نهايتها فوق فراشه الوثير ،وقبل مغادرتها يبدأ في اعداد مراسم استقبال التالية ،والتالية واللانهائية ، ضبطته متلبسا بجريمته مع جارتي ،صديقتي ،خادمة السلم، بائعة الخضار ،حكى لي بلسانه عن علاقات كانت قبلي ،زميلة العمل ،مديرة البنك، نادلة المقهى ،فتيات فيسبوكيات لم يعد يتذكر اسمائهن، حدثني بلسانه وهو بكامل قواه العقلية والجسدية ،انه لا يعشق المرأة السهلة المنال، ولا تحرك له ساكنا، انما عشقه يكمن في الملتزمات دينيا واخلاقيا ، حكى لى انه داوم اللهث وراء احداهن سنوات طوال ،ولم يجد لحربه حلا سوى الزواج العرفى ،ثم تخلص منها كما فعل مع غيرها، لم انوى الانفصال ابدا ،كنت احيا على امل تغييره ،( انك لا تهدى من احببت ولكن الله يهدى من يشاء) ربما يستجيب الله لدعائي له بالهداية ،هو الحبيب الذى لا يصح تغييره من وجهة نظر قلبي ،وهو العدو اللدود ،الحاكم بأمره وليس بأمر الله ،الطاغية العربيد من وجهة نظر عقلي ،حتى شاءت الأقدار وتعرف على فتاة من ذوات الهمم، اقنعها بأنه الأب الراعي ،سيعمل جاهدا على مساعدتها في ايجاد عمل لها ،وسوف يساعدها على حل معظم مشاكلها الحياتية، وبدأ فعلا في تنفيذ وعده، حتى فاجئتنى الفتاة باتصال هاتفي اطاح بعقلي ،تطلب مني ايضاحا لكلماته وجمله المنمقة لها ،ما أثار غضبي وليس غيرتي انه استخدم معها نفس الكلمات والجمل حرفيا التي استخدمها معي ،من رومانسيته وحبه للبحر ،إلى استعداده للتفرغ التام لها. جملة تلو أخرى أفقدتني عقلي ، أو ربما اعادته لى وقررت خلعه ، واطمئن قلبي وعقلي بعد انتهاء قضية الخلع ،لأول مرة منذ رأته عينيي أشعر بطعم الحرية ،لن أنسى له سوء معاملته في كل مرة ضبطته فيها متلبسا بجريمة العشق الممنوع، لن أنسى مرة لطمني بشدة فارتطمت رأسي بالكرسي المجاور لي مما تسبب في خمسة غرز قطب الطبيب بها جبهتي ،ومن يومها ادمنت مواراتها تحت قصة لشعرى مسدلة حتى حاجبي ،لن انسى يوم شكوته لأخيه فطبطب على كتفي قائلا : لك الله اصبرى فو الله ما رأيت رجلا تقوده غرائزه مثله.
هل يعقل ان يكون هذا المعتوه الذى وصفني (بالجويسكية) صادقاً، هل حقاً حياتي وهم نسجه خيالي لا دراية للعالم من حولى به ؟! هل حقا. زوجي برىء من كل التهم ؟! ،كيف؟! وعلامات الحروق المتوجه لأكثر من ثلثي جسدى بسبب الجن العاشق والذى اعتاد ان يعذبني بالحرق بعد كل علاقة حميمية مع زوجى وهم؟!.
وضعت تحت كلمة (وهم) عدة خطوط ، ألقت بالقلم بكل قوتها في سلة المهملات المقابلة للمكتب ،حاولت لملمة ما تبقى من روحها ووقفت امام المرآة ،لم تر نفسها بسبب الأتربة الحاجبة لصورتها ،احضرت قطعة من القماش ،نظفت المرايا ،أول شيء ظهر امامها عدة علامات للحروق في اكثر من مكان ،اغمضت عيناها لحظة ثم فتحتهما رافعة قصة شعرها إلى الأعلى .