مساحة إعلانية

مساحة إعلانية

منبر

المبدعون

ثلاثية الحافية...بقلم إيمان العطيفي

2025-10-05 13:58:43 - 
ثلاثية الحافية...بقلم  إيمان العطيفي
صورة تعبيرية
منبر

(3)

استيقظت على صوت أنغام (ياخي الشوق ليك واخدني لفين؟!، ومين عنك يرجعني؟!،قليل منك ما يرويش عين!! ولا كتيرك ماشبعني!!) نظرت بعيون فرحة الى النافذة الصادر منها الصوت ،تبسمت،دبت فيها حياة أخرى غير الحياة ،صرعها شوقها ،هرولت بدون افطار رغبة فى الوصول ،انتهت الرقعة السكنية ،لتمتد امامها مساحة غير متناهية من الصحراء ،تلك التى نسميها بالطريق الحربي ،لا زرع فيها ولا ماء ،ولا رفقة سوى امتداد لجبل تتوجه شمس حارقة ،مرة اخرى تكتشف انها مجردة من متع الحياة ،لا تملك ما يظلل رأسها من حرقة الشمس ،تنظر خلفها لحيظات لم يعد مجال للعودة اطلاقا ،قطعت من الطريق نصفه ويزيد ،استجمعت قوتها لتصل لشجرة بان طيفها من بعيد ،تزودت ببعض الطعام وهى تمشي بدون توقف ،خوفا من دخول الليل بعيدا عن الشجرة ،وصلت بعد عناء شديد ،قتلها الجوع بشتى انواعه ،طعاما،راحة،نوما ،اكتشفت فور سقوطها تحت الشجرة ان حذاءها تمزق ،خلعته من قدميها حيث لا نفع منه بعد الآن ،وافقدها التعب وعيها بالكامل ،دخلت فى اغماءة حتى قبيل الفجر ،شعرت بحركة خفيفة حولها ،وسمعت صوتا تعرفه جيدا ولكنها كذبت اذنيها ،فتحت عينيها ناظرة لأعلى لترى حية رقطاء كبيرة الحجم ،تدلى رأسها من فرع الشجرة باتجاهها ،صوت فحيحها يكفى لقتلها بغير لدغ ،وقبل ان تفكر فى منجى من الهلاك المحقق ،سقطت الحية بجوارها تماما، كتمت أنفاسها رعبا ورهبة ،تلذذت الحية بالدوران حولها لتلفها من كل اتجاه،اصبحت فى قلب دائرة رسمتها بجسمها موجهة وجهها المنتصب بلسانها المشقوق وعيناها الواسعتان فى وجهها ،وكأنها تستجمع كل ماحوت من سم لتنفثه دفعة واحدة،بدأت رأس الحية فى الانتفاخ واتخذت وضع الهجوم ،فى نفس اللحظة التى ضغطت على أنيابها بقوة للفتك بفريستها ،شق السماء صقر كبير الحجم ،ارعب الحية  التى دارت برأسها يمينا وشمالا ناظرة إليه ،وفى اقل من لحظة انقض عليها بأظافره ،تمكن من اقتناصها،وحلق بها بعيدا، تابعت الصقر بنظرها حتى تلاشى غير مصدقة انها نجت،صرخت ولعنت افكارها الغبية ،ولعنته لأنه السبب المباشر لاتخاذها قرارات مشينة كهذة، ولعنت ذاك اليوم الذى جمعها برجل كله عيوب وخطوب وذنوب.

توقفت لحظة لتسأل نفسها عن أسوأ عيوبه وهى تحوله إلى زومبي فى اوقات الغضب ،قاتل، متوحش، لا قلب له ،وما الذى يوصله الى مرحلة الزومبي؟ أليست الغيرة الشديدة ،التى تخرجه عن أدميته،وما الذى أوصله إلى الغيرة ؟ أليس الحب المفرط، أكانت بحاجة الى حية رقطاء ترغب فى التهامها ،لتكتشف ان للعشق ضريبة أقلها الشهادة؟!!

تذكرت يوما مشابهاا لهذا ،حيث صرخت بقوة معتلية فراشها ،كان فى الردهة يحتسى شاى العشاء ،القى بفنجان الشاى سريعا وهرول اليها مرتجفا ،وهى فوق الفراش تشير باصبعها الى جدار خزينة الملابس ،رأى فأرا  صغيرا لا يتجاوز اصبع اليد ،ضحك بسخرية وبنفس السرعة اودى بحياة الفأر والقى به من النافذة،ظلت ليلتها خائفة ،لم تستطع النوم حتى التحفته كصغيرة خبأت خوفها فى حضن ابيها ،نامت عيونها ولم تغفل عيونه حتى الصباح خوفا من استيقاظها فجأة فتظن انها وحيدة بلا حارس..

لملمت نفسها قدر المستطاع ،حيث خارت قواها ،وتمزق حذاءها ،ولم يبق فى جعبتها غير خمس تمرات وبعض قطرات الماء ،شقت بهم ريقها ،جففت دموعها واكملت المسيرة،بلغت قرية صغيرة تشبه قرى البدو كل بيوتها طابق واحد وامام كل بيت صنبور مياه تحته حوض ،خيل اليها انها انتقلت الى زمن آخر غير الذى تحيا فيه،الرجال كل ملابسهم جلباب ابيض وعلى رؤوسهم شملة بيضاء ،والصبايا ملابسهن أشبه بالكتان او القطن وكلها مظرزة الصدر والأكمام بشكل راق وجميل ،تحت اقرب صنبور مياه ألقت بنفسها داخل الحوض ولتسقط كل الأشياء ،لم تغتسل من لحظة خروجها من المنزل ،هذا غير العطش الذى فتك بها،رأتها سيدة عجوز نادت بدورها على بناتها تلقفنها من الحوض وادخلنها الدار، أعددن لها حماما ،اغتسلت وارتدت من ملابسهن ما تحتاج اليه ،وأكلت بعض الطعام ،تذكرت يوم الجمعة والذى يصر دائما على قضائه فى منزل العائلة مع امه واخوته وزوجاتهم واخواته البنات وازواجهن ،وكيف كانت الحاجة تعشق طاجن البامية باللحمة الضاني من يديها ،واخواته يصررن على عمل طنجرة المحشى بالبط على شرط ان تقوم هى بتجهيز الخلطة للحشو ،كم اشتاقت لهذه اللمة وتلك الضحكات وكركبة الأطباق والصوانى والسهرة امام المنزل على الكنب حتى عودة رجالهن من الساحة،ثم اصرت على غسل ملابسها التى بدأت فعليا فى التمزق ،تحايلن عليها ان تستبدل ملابسها معهن ،رفضت،جفت ملابسها ،ارتدتها ،شكرتهن على كرم الضيافة ورحلت بعد ان سألنها عن اسمها ،أجابت : عابرة سبيل ..

تلقفتها الطرق ،طريق تلو طريق ،وأخذتها المدن والصحارى والحقول ،شققت  الأراضى قدميها ،سالت منها الدماء تاركة أثرا كبيرا ،طارت طرحتها بفعل الرياح المتقلبة،وصلت الى بيت الشيخ حافية القدمين جريحة ،رثة الثياب ،شعثاء بلا غطاء رأس ،مريضة مجهدة ،وقف لها جمع غفير من البشر المتواجدين بمكتب الرقية،صنعوا لها ممرا بشريا مكللا بانحنائة اجلال ،وكأن الجميع كانوا فى انتظارها،،رأتها فتاة الاستقبال بالمكتب ،جرت نحوها ،تلقتها بين يديها منقذة أياها من رطمة اكيدة بالارض،استدعت الشيخ الذى اعجب بها فور رؤيتها،طببها ،افاقت ،تبسم فى وجهها متسائلا ::

ترى اى سبب خطير أوصلك لهذة الحالة؟

اريد خلطة فقدان الذاكرة

وأى شىء ترغبين فى فقدانه؟

كل لحظة أساء لي فيها زوجي

ألهذا القدر أحببته؟! أتستدعى هذه الأمنية  فقدك للحياة لتحصلى عليها

لا حياة لي بدون رضاه

خرج فضل فى هذه اللحظة من الباب الجانبي للغرفة ،ارتجفت زينب للحظات تخشى عقابه على خروجها دون استئذان ،هرول باتجاهها مقبلا جبهتها ،استغربت ،طلبت فهم ما يجرى حولها ،ولماذا استقبلها المريدون هذا الاستقبال،وكيف علم فضل بوجهتها؟ .

أجلسهما الشيخ امام مكتبه مفسرا ،الحفاة يا زينب كلهم ورثة ، انت حفيدة الشيخ فاضل شيخنا وسيدنا ،فتاة الذرة كان جدك،والصقر كان جدك،حماك طوال الرحلة ،لم يتركك لحظة واحدة،أما فضل فبحث عنك بعد غيابك ،وطاعة لأوامر جدك بلغناه بما انت فيه ،علم ورأى كل شىء عن طريقنا.

بكت زينب وطلبت من فضل ان يعفو ويصفح عنها ،تبسم فى وجهها قائلا :

 وهل يقسو القلب على نبضه ؟! يانبض القلب

سارع الشيخ باحضار حذاء لزينب لتعود به الى بيتها ،رفض فضل قبول الحذاء ،حملها على يديه مردفاً:

جاءت تبحث عن حبي على قدميها ،وتعود لبيتي على قدمي.

علقت ذراعيها حول رقبته متوسدة قلبه ،وعادت الطفلة مختبأة فى حضن أبيها .

- تمت-

مساحة إعلانية