مساحة إعلانية

مساحة إعلانية

منبر

المبدعون

ثلاثية الحافية ... بقلم إيمان العطيفي

2025-10-04 00:03:35 - 
ثلاثية الحافية ...  بقلم   إيمان العطيفي
صورة تعبيرية
منبر

( 2 )

الطريق مظلم رغم محاولات الشمس المستميته للظهور، دبيب الأمل يسرى بداخلها ،يمنحها قوة لم تعهدها من قبل ،مهما طال طريق الامتحان فللنجاح مذاق خاص ،حياة أخرى غير الحياة ،تنسى كل الآلام وتشفى كل الجروح ،وتخرج من بابه امرأة أخرى ،امرأة أقوى ،امرأة تحيا.

هرولت من بداية الطريق لعلها تكسب بعض الوقت ،وسرعان ما أجهدها الفرار ،غطست فى عرق شديد رغم تعاطف الشمس معها ،ربما لأنها لم تمارس رياضة المشى قط ،لا تملك مناديل ورقية مبللة تفوح عطرا إذا لامستها ولا حتى قطعة من القماش الرث ،تناولت طرف طرحتها لتجفف عرق وجهها ،توقفت لثوان معدودة تشاور عقلها فى النزول عن هذه الرغبة المجهدة ،رفض العقل والقلب والجسد والجروح والآلام طلبها بشدة ،أكملت المسيرة ،اختارت الهرولة على حافة الطريق الزراعي على أمل الفيء، وايضا تفاديا لحوادث السيارات المارقة، مالت الشمس نحو الغرب ،اشتد بها الجوع ،تابعت حتى صادفت نخلة صغيرة ،اقتلعوها بعدما مالت فى اتجاه معاكس وألقوا بها على حافة الطريق لتصبح مقعدا للمارقين وعابري الطرق استراحت قليلا وبدأ جهازها التنفسي فى الاستقرار أخرجت ما فى جعبتها من طعام ،ابتسمت بمرارة، تمر وخبز وماء !! يالسخرية القدر ،تذكرت سفرتها العامرة بما تشتهى الأنفس ،وبيتها المليء بالخيرات والمفتوح دائما للأحبة والأقارب ،ولكن الحياة ليست طعاما وشرابا ، تذكرت ( يكفي بن آدم لقيمات تقمن صلبه) اكلت وشربت واستراحت قليلا ثم تابعت .

بدأ الطريق يخلو من السكان تماما، الرقعة الزراعية على مد البصر، حقول الذرة الشاميه على جانبي الطريق تحولت إلى أشباح بحلول ظلمة الليل، مدت يدها إلى حقيبة صغيرة دست فيها الطعام باحثة عن الموبايل لتستنجد بأحد يأتى ليخرجها مما اقحمت نفسها فيه ،تذكرت شروط الرحلة التخلى عن كل متع الحياة ،اكتشفت انها وحيدة بين خشولة الحقول وظلمة الليل والتحركات الخفية بين الذرة ،لا مال ولا هاتف ولا غطاء تتخفى تحته ،فجأة ظهرت فتاة صغيرة خرجت من الحقول امامها ،تبعد عنها مسافة ليست بالقليلة ،ولكنها الونيس الوحيد ،جرت مسرعة تناديها ،بلا اسم ،فقط تصرخ انتظرى ، انتظرى يا... ، سمعتها الفتاة التى شعرت بخوف هى الأخرى ،حاولت الهروب ،تبعتها بصوت غلبه البكاء ،رقت الصغيرة لصوتها  شعرت بأنها تشاركها مخاوفها ،توقفت ،وصلت إليها ،ترجتها ان تظل معها ،اشعلتا بعض النيران للتدفئة بعيدا عن عيدان الذرة ،واكلت الصغيرة بعض التمر والخبز ،وغلبهما النعاس الذى تلى فترة قاتلة من الخوف.

أيقظتها أشعة الشمس وخشولة الحقول ،نظرت بجانبها لم تجد الصغيرة ولا ما يدل على وجودها اصلا ،ولا أثر للنيران البائته ،نظرت بخوف يمينا ويسارا لم تجد شيئا يثبت وجود الفتاة من الأساس ،تملكها خوف من نوع آخر ،لملمت شتات روحها واكملت المسيرة ،ضاعفت مجهودها بشدة لتقطع المسافات المخيفة بأي شكل حتى تصل إلى منطقة مأهولة بالسكان تفاديا لتكرار مأساة الأمس.

جن عليها ليل جديد امام منزل متواضع ،اخفت نفسها خلف جدرانه مستعذبة صوت أطفاله الذى أطرب أذنيها وانساها الخشولة السابقة ،اخرجت تمرها وخبزها واقتاتت ما يبقيها على قيد الحياة ،وقبل استسلامها للنوم ،سمعت ضجة الأطفال فرحين بعودة أبيهم ،شدت جسدها حتى وصلت لنافذة قريبة. ،رأت تعلق الأطفال بملابس أبيهم الذى بادلهم فرحة بفرحة وأغدقهم حبا وتقبيلا ،رأت الزوجة وهى تحتوى زوجها بمحبة وتقبل جبهته ويديه وتحمد الرب على سلامة العودة، تذكرت كيف كانت لها ليال مماثلة ،كيف عشقت دخوله منزلهما ،كيف اهتمت بكل التفاصيل التى يعشقها صغيرها وكبيرها ،من ضمة خلف الباب بشغف، لمساعدته فى تبديل ملابسه ،إلى خلع الحذاء وركنه فى مكانه ،لوضع قدميه فى إناء الماء بالخل وتدليكهما ،إلى إهدائه طبق من الكنافة بالمانجو اعلانا منها بالاشتياق المفرط، دمعت عيناها ،ضمت نفسها إلى نفسها ،أسبلت عينيها التى حجبتهما الدموع ،غطت فى نوم حزين.

مساحة إعلانية