مساحة إعلانية
تتواصل سلسلة [ضي الحروف] مع قرائها من جديد مع شاعرة من البحر الأحمر .. من مدينة الغردقة تحديدًا .. مع { سعاد مصطفى }..
الشعر لغة تخاطب الوجدان ، تداعب المشاعر ، تستحث الهمم ، تحيي الأرواح ، تدفيء الأنفاس ، وكلما كان الشاعر صادقا مخلصًا لتجربته ، كلما نجح في الوصول إلى قلوب متلقيه من أقصر الطرق ، بل وأثر وأثرى ، وغمر وأغرى .
وقد وقفت كثيرًا أما كلمات الشاعرة : سعاد مصطفى علي .. التي تعشق الفصحى وتهيم حبا بمفرداتها ، ولاحظت جهدها واجتهادها مرة تلو مرة لتقدم أقصى ما تستطيع وأبدع ما تشعر وتستشعر وتستشرف من الحالات الفنية التي تعرض لها .
وهي واحدة من أهل الغردقة ، ولدت ونشأت بها ودرست وتدارست ، وهي نموذج مشرف للمبدعة التي تحترم نفسها وإبداعها على حد سواء . تغوص الشاعرة في عمق حالتها الفنية ، ولا تفارق تفاصيلها حتى تفرغ منها ، فيخرج العمل الأدبي بالشكل الذي تضعه فيه بلغوياتها المعبرة وتصويرها الفني المبهر في كثير من مناطق أعمالها الأدبية ، وإن لجأت للسرد أو التقرير في بعض من كل أضفت إليه روحًا أخرى تمس المشاعر وتداعب الأرواح فلا تشعر باختلاف في نهج الحالة الفنية . اقرأ معي إن شئت قولها في قصيدة "محاكاة "
(أمَلاكُ عينيكِ يغني
بالمجيء لعالَمي ..
لكنني ..
لا أملكُ السَّيْفَ المرصَّعِ بالْمعاركِ
لا أمْتَـلك ..
غيرَ الندى وشعاع
شمسٍ والبقيةُ أدمعي )

تمتلك الشاعرة القدرة على التوثيق والتوفيق بين تدرج الحالة وانفعالاتها وبين تكوينها للجملة الشعرية وخلق الصورة البلاغية والفنية بالشكل الذي يجذب النفس ويسحر الروح . وتمتاز الشاعرة باختيار الألفاظ بما يتناسب والحالة الشعورية كأنها موسيقى تصويرية مصاحبة هامسة مسموعة ، وحين تكرر لفظا أو أكثر فإنما توظف المعنى بشكل مميز وموجه بدقة وقصد . والشاعرة تقدم نموذجًا أدبيًا قيِّمًا تهتم فيه بالبناء النفسي والهدف والغاية ، وتعتمد في تكنيك الكتابة الجمل القصيرة الدالة والألفاظ عالية الدلالة والمعبرة دون نظر لمساحة العمل الأدبي ، وتهتم الشاعرة ببناء الصورة وتكوينها مشهديًا ورمزيًا في القصيد الواحد مما يُنبِيءُ عن موهبة وامتلاك جيد لأدوات الكتابة .
تقول الشاعرة في قصيدة " ضفائر من ريش ":
(أَكُلُّ الأقاويل التي
قد قالها العراف يومًا
عن أن خوف الحلم
لابد أن يرحل
وأن حجارة الأحزان
لابد يومًا أن تلين
قد قالها والرمل والأصداف
والمنديل
يبصمن بالأحداق
يُجْلِسْن أحلامي
على عرش من التصديق
أدس في الأعماق
حاجة من نفس يعقوب الشقيق
ترى ليلى
أأسير بالقلب المبجل للأمام)
إذن فالشاعرة تخالط وتمازج بين صناعة الحالة والإحساس بها ، وتستخدم كل ما تستطيع من لغة وتركيب وتصوير فني لخدمة الحالة التي تعبر عنها ، ولغة الشاعرة هادئة ذات دلالات وإشارات تشبه موجات الأثير اللاسلكية حيث تستحوذ على لب المتلقي ووجدانه ليصل معها إلى مراداتها مما تشير إليه وفيه ، وتعمل ذلك دون صخب أو ضجيج ، تفعل ذلك بشيء من الحكمة والروية والحرص على تدوير الإحساس وتعميق الغرض والغوص إلى أبعد حد من حدود الحالة الفنية والشعورية .كما تشمل قصائد الشاعرة حركة ً تماوجية كموج البحر بجانب الصوت ، لذا ترى في قصائدها الصور حية نابضة راقصة أحيانًا ، مطربة أحيانا أخري ، متمايلة في أكثر الأحيان ، خصوصًا في مناطق تقترب فيها حد التصوف وما شابه من الصفاء النفسي والروحي في بعض الأعمال . وأخيرًا الشاعرة : سعاد مصطفى .. موهبة شعرية قادرة على الإبتكار والتجديد ، وقلم نابض بالمشاعر ، مفعم بالحيوية والخيال ، غير أنها مقصرة في حق موهبتها ونفسها ... خالص المحبة والتقدير لقلمها الرائع ، مع خالص الامنيات بالتوفيق والتألق في سماوات البديع