مساحة إعلانية
بقلم حسن أجبوه / المغرب- أديب
لم يكن بالإمكان الرجوع للوراء، وانتظارها.. ووهم اجترار الحقيقة المرة التي مفادها أنها اندثرت من الوجود المادي بحياتي! لماذا صدقت الحكايات القديمة التي دأبت الغجرية في المولد على تلاوتها بحضرتي كلما اختليت بها، في خيمتها الصغيرة، وهي تتغنج وتلوك لبانا زهريا فيما ما تبقى من أسنانها الصفراء ..تطمأنني أنها هي الأخرى، تفكر بي وتتمنى ملاقاتي كما اعتدنا تحت شجرة الصفصاف العالية بالقرية. فيزداد شوقي وهيامي لعيونها الكحلية وقوامها البض.. آه لو تتمكن هذه الغجرية من إعادتي لمرحلة الدراسة والشباب، سأمنحها هذا البيت البئيس الذي ورتثه عن المرحومة أمي! . أعود أدراجي خائبا لصفصافتي لأسمعها ترتيلة موسيقى المايسترو عمر خيرت" اللقاء الثاني " التي أرددها صاخبا:
" ولما تتلاقى الوشوش مرتين
ما بيتلاقوش يوم اللقا التاني
عمر الوشوش ما بتبقى بعد السنين
نفس الوشوش دي بتبقى شيء تاني..."
فتتهامس الاوراق الصفراء فوق أغصان الشجرة وصدى أنفاس صغيرتي ورائحة غاسول ضفيرتها تغرياني برقصة أخيرة أتمناها عاشقا ولهانا صريعا بين يديها. تبتسم لي وتغريني بقبلات نختلسها معا بعيدا عن أعين الفضوليين.. هل كانت الغجرية على حق؟ كلمات الاغنية تقرب البعيد وتحيي الميت؟ عروسا ينسدل شعرها فوق الفستان الحريري الأبيض؟! لايمكن أن يحدث لي كل هذا! هل أنا مجنون؟ أفرك عيني بكفي وأسألها:
- هل عدت من أجلي؟ وهل ستبقين معي للأبد؟
تهمس في أذني:
- نعم، سأبقى ما دمت متمسكا برغبتك في بقائي!
أبحث بين تلابيبي عن الهاتف المحمول لأوثق اللحظة الحميمة، ولا ألتفت حتى لاتفارقني ! لكن في اللحظة المهمة ينفقد البدر! لا يمكن أن أفقده لابد لأحد ما ان يساعدني، ويتبث لي أنني لا أحلم ولست مجنونا!
أنادي خيالا أبيضا مارا بالقرب مني:
- أرجوك ساعدني، لا أجد محمولي!
تقترب الممرضة البدينة مني ويتعالى صراخها:
- لا يسمح باستعمال المحمول بمصحتنا! تدفعني وانا أتمنع فوق كرسي المتحرك مبتعدا عن شجرتي، لتقدفني فوق سرير بصالة تعج بالضجيج!
- حان وقت النوم، الأن إلتقط الصور التي تحلو لك.