مساحة إعلانية

مساحة إعلانية

منبر

المبدعون

الشاعر والباحث عبد الستار سليم يكتب:العصر العباسي وتحول شكل القصيدة العربية

2024-08-04 21:55:15 - 
الشاعر والباحث عبد الستار سليم يكتب:العصر العباسي وتحول شكل القصيدة العربية
الشاعر والباحث عبد الستار سليم
منبر

إذا كان الشعر قد بدأ  - من حيث الشكل - قصيدة عمودية اعتمدت البيت الشعري كوحدة بنائية لها ، هذا البيت الشعري المموسق ، أي المعتمد علي موسيقي (موسيقي البيت الشعري نوعان : موسيقي داخلية تُعني بفنون البديع ، وتسمي موسيقي النظم ، ويشخصها جانبان مهمان ، وهما اختيار الكلمات وترتيبها من جهة ، ثم المشاكلة بين أصوات هذه الكلمات والمعاني التي تدل عليها من جهة أخري ..
وموسيقي خارجية تسمي بموسيقي العروض ، وهي تتمثل في تتابع التفعيلات الشعرية المعتمدة علي توالي الحركات والسكنات في نسق بعينه ، والتي هي قوام ما يسمي بالبحور الشعرية) . والبيت الشعري ينتهي بما يسمي بقافية القصيدة ، لذا أطلقوا علي هذا الفن القولي لفظ "الشعر الموزون المقفي" ، دام ذلك بدءا بالعصر الجاهلى ، ثم عصر صدر الإسلام   ، يليه العصر الأموى 
ونستطيع أن نقول إن العصر العباسي كان هو بداية التحول الشكلي في فن القصيدة ، حيث كثر استخدام مجزوءات البحور ،  و مشطوراتها ، و منهوكاتها، 
(مجزوء البحر الشعري ينتج عن حذف التفعيلة الأخيرة من كل شطر  في البيت ، والمشطور هو ما أخذ فيه شطر  البيت فقط ، ليصبح  ذلك الشطر بمثابة البيت الشعري ، لذا تُكتب الأشطر رأسيا  ، ولها نفس القافية ، و أما  المنهوك فهو ما حُذف ثلثا كل شطر فيه ، فحينما يكون في الشطر الواحد ثلاث تفعيلات ، تتبقّى تفعيلة واحدة فى كل شطر ) ،
 كما حاولوا - أيضا -  قلب نظام الدوائر العروضية الخليلية
وخاض هذا الغمار شعراء كبار ، مثل بشار بن برد ، وأبي العلاء المعري  ، وأبي العتاهية ، وسُـئل أحدهم  - ذات مرة - "لم لا تلتزم العروض ؟ "   فردّ قائلا : "أنا أكبر من العروض"  .
كما ذهب التطور إلي أبعد من ذلك ، حيث بدأت رحلة اختلال نسق البحر الشعري ، وذلك باختلاف عدد التفعيلات في شطري البيت الشعري العمودى ،
وكذلك ظهر شعر المقطعات ( الثلاثيات ، والرباعيات ، والخماسيات ) ،  ونظام المزدوج ( أى اتفاق قافيتى شطرى  البيت الواحد ، وهو ما يسمّى بالتصريع) ، أما  فى قصيدة السطر  ، أو  قصيدة التفعيلة ، (حيث حلّ "السطر الشعرى " محل "البيت الشعرى"  )، وفي هذا الشكل الشعري  غابت القافية أو  كادت ، واحتفظ الشعر -فقط - بالتفعيلة ، ثم - مؤخّرا - بلغ التغيير مداه ، فظهر ما يسمي بقصيدة النثر، التي تخلت أيضا حتي عن التفعيلة .
نعود إلي الأشكال الشعرية التي اختلف بناؤها الشكلي عن بناء القصيدة العمودية ، وهي الفنون الشعرية السبعة التي اتفق عليها النقاد قديما ، حسبما ذكر صفيّ الدين الحلّي في كتابه المتميز " العاطل الحالى " عن الفنون الشعرية "الملحونة " .. كما أسماها المغاربة - والتي حصرها في الأنواع الأربعة وهي الزجل ، والقوما ، والكان وكان ، والمواليا - الذى ظهر فى العراق- ( المواليا  تسمى  عندالمصريين - بـ " الموّال ") .
وكان قد سبق ذلك  ظهور فن الموشح في بلاد الأندلس ، ( قيل إن ظهور الموشحات يعتبر بمثابة أول ثورة حقيقية علي قالب القصيدة العمودية ، واعتبروه تحطيما للشكل العمودي ، الذي ظل راسخا لزمن طويل)
بجانب ذلك ، وفي فترات زمنية لاحقة ، ظهر فن "المواليا " في العراق ، وقيل إنّ مبتدعيه هم " الأنباط" من أهل مدينة " واسط"  - واسط هي مدينة عراقية ، تقع بين البصرة والكوفة ، بناها الحجاج الثقفى - وقد اقتطعوه -بيتين بيتين - من بحر البسيط ، والبيتان يتكونان من أربعة أشطر  كتبوها  تحت بعضها ( وأسمّوْها  أقفالا) بقافية واحدة ، و قالوا  عن هذا اللون من القول إنه " برزخ " بين المفصّح والملحون - إن جاز التعبير -  أى خليط بين الفصحى والعامية ، ومنه  الموال العراقى الشهير  الذى يقول :

( طرقْـتُ باب الخِـبا قالت مَن الطارِق
فـــقُلت  مفْـتِـونْ لا ناهِـبْ ولا سارِق
تبسّـمَـتْ  لاح لي من   ثَـغْـرِها  بارِق
رِجِعْـت حيرانْ في بْحَرْ  أدْمُعِى غارِق )

وقيل أيضا إن مبتدعيه من موالي البرامكة ( جمع موْلَى) من الفُرس، بعدما أنزل الخليفة "هارون الرشيد" بهم ما أنزل من تنكيل وتقتيل ، وأمَر  ألّا  يُرثي  "جعفرُ البرمكي " بشعر  فصيح  ، فــرثَـتْـه جارية 
له بهذا اللون من النظم الملحون - حتى لا يُعصى " الرشيد " - والذى منه :

يا دار  أين  ملوك    الأرض . . أين  الفُـرْس
أين الذين  حَـمَـوْها  بالقَــنَـا   و  الـتُّــرس
قالت تراهم رِمَـمْ  تحت  الأراضي  الدُّرْس
سُـكوتْ  بعد الفصاحةْ ألسِـنِـتْـهم  خُـرْس

مساحة إعلانية