مساحة إعلانية

مساحة إعلانية

منبر

المبدعون

اختلاف المسافات بين المتن والهامش دراسة لديوان بين المتن والهامش للشاعر وائل الإسمنتي

2024-05-12 07:12 PM - 
اختلاف المسافات بين المتن والهامش دراسة لديوان بين المتن والهامش للشاعر وائل الإسمنتي
غلاف الديوان
منبر

دراسة بقلم دسوقي الخطارى 
يطل علينا الشاعر والروائي وائل الإسمنتي من خلال مجموعته الشعرية التى صدرت عن الهيئة العامة لقصور الثقافة تحت عنوان " بين المتن والهامش " وتشتمل على ست وثمانين صفحة من القطع المتوسط ، وتحوى بين دفتيها ست وثلاثين قصيدة متنوعة بين المتوسطة و القصيرة بالإضافة إلى الإهداء و قائمة المحتويات ( الفهرس ) احتل بها صاحبها مكانة أدبية مرموقة ومكانا لا بأس به  تجسدت من خلالهما موهبة الشاعر شعرا و نثرا منذ بدايته كشاعر كتب القصيدة الفصحى و العامية ، وكقاص أبهرنا بقدرته و قوة ابداعه في فنون السرد من خلال روايته وباكورة انتاجه النثري " لعنة الولي " وكذلك قدرته على نظم الموال بكل أشكاله المربع والخماسى والسباعى مستلهما موضوعاته ومفرداته من واقعه المعيش وبيئته المحيطة 


ولأن القول يستوفى عناصر التواصل ويحدد كفاءة الخطاب بالعقد المبرم بين المرسل و المتلقي تبعا لحيثيات التداول زمانا و مكانا من خلال الشاعر وائل الإسمنتي كمرسل من خلالنا أنتم وأنا كمتلقين معرضين عن إغراء الهمس حتى ننجو من فتنة الإسقاط و ما يجرنا إليه من فرط الرضا عن الذاتين المرسلة والمتلقية فنحيد عن مصداقية الدراسة و التحليل إلى أكذوبة المجاملة و التضليل فيصبح ما أجهدنا فيه أنفسنا منذ وقوع هذا العمل في يدنا حتى هذه اللحظة عملا غير مشكور ونحن نظن أننا نحسن بذلك صنعا، وعليه فإن هذا العمل بدءا من عنوانه الذى يحيلنا إلى الغريب من فضاءات التأويل لنجد أنفسنا أمام عنوان يقف بنا عند نقطة وسطى بين طرفي قضية هامة يتمثل أولهما في المتن الذى هو صلب أى موضوع وكل موضوع وجوهر أى قضية وكل قضية ، وثانيهما " الهامش " الذى يمثل الشرح و التوضيح اللازمين لتفسير المتن وتبسيطه بل وإعداده الإعداد الجيد للفهم بسهولة ويسر من ناحية ومن ناحية أخرى لإظهار ما اشتمل عليه المتن بتكثيفه و شموليته و خفايا سياقاته ومضامينه و اصطلاحاته أو قل ما تعمد كاتبه إخفاءه من أسرار يظن أن الإفصاح عنها ضرر يصيب عن عمد أحد أطراف قضيته ، وقد تبدو العلاقة بين المتن وما يهتويه من إجمال وتكثيف و بين الهامش وما اشتمل عليه من توضيح و تفسير ، وبما لديه من قوة وقدرة على إثبات حدث أو نفى علاقة غير واضحة في أعلب الأحيان ذلك لأن الأشياء في حد ذاتها حقيقة لها قدرها وقول الأشياء والتعبير عنها حقيقة أخرى لها أثرها الذى به ننخرط في وجودها ، أما كيف نقول هذه الأشياء أو نقر بها فذلك حقيقة ثالثة يتناسب تأثيرها فينا كمتلقيين بمقدار غفلتنا عنها أو إدراكنا لها ، وعليه فإن المثقف كما يقول د/ ابراهيم المسدّى ثلاثة أنواع : فهناك المثقف المستقل ، وهناك المثقف المستقبل ، وهناك المثقف المتعفف الذى يعيش على الكفاف ويرضى بما هو موجود ، ولا يجادل في تغيير الأوضاع لأنه المكتفي بالحاصل ، ‘ن لم يكن المستسلم كل الاستسلام ، ويبدو ذلك الأخير على حال شاعرنا واضحا جليا كما في قصيدته " تابعنى قرين " بقوله : أنا شاعر ومش شاعر بوجداني / أنا صورة لواحد تانى / يقول لكن ميعملشى "  في حين تظهر عليه صورة المثقف القائم بنفسه على نفسه لا يغازل أحدا ولا يغازله أحد ، وهذا ما أكده لنا شاعرنا بقوله : " بين المتن والهامش / أنا عايش رتيب النبض و الإحساس / جليس الريشة والكراس / إلا إني ساجن بحى جوايا / وحراسه كتير و شداد " حتى وإن بدا من الشطة الأخيرة أنه يتوجه باللوم و التوبيخ إلى مجتمعه ، وما يفرضه على الأفراد فيه من رقابة صارمة قد تصل إلى حد المحاكمة العرفية ، وما يتبعها من ثواب أو عقاب " حراسه كتير وشداد " وقبل حرية الرأي أو بعدها يظل المثقف مرسلا أو متلقيا في أمس الحاجة و أشدها إلى أن يكفل له المجتمع براءة التأويل وحرية التعبير ، وهنا مؤداه ومنتهى مرماه أن يكف المجتمع عن تصيده بشباك الظاهر و الخفي ومثال ذلك أن يعقب معقب على القصيدة الأولى في الديوان بقوله إن نظرية الإثبات تقوم أساسا على الشك نظرا لأن الشك في حد ذاته مدعاة للتفطير وإثبات للوجود ، إذ لولا التأمل والتفكير ما فرق المرء بين الشك  اليقين ، وما اهتدى إلى الصواب في القول والفعل ، ولكى نكون منصفين أو حياديين - على أقل تقدير – يجب علينا ألا نتهم المجتمع اتهاما مطلقا بالظلم أو نؤكد على ظلمه للمثقف فلربما كان المثقف من نوعية المثقف المتعفف الخاضع الذى يرضى بالقليل ، ويعيش على الكفاف يؤثر الاستسلام ولا يؤمن بالتغيير ، وفى قصيدة " قلق " يقف بنا الشاعر على نفس المسافة السابقة في قصيدة " بين المتن والهامش " و يبدأها بقوله " بين مسافات القلق / قلبى عايش على الورق / مع اللى راح ولا سابش ضل " ثم تكرر الأمر نفسه في قصيدته " غربة ذات " التى بدأها بقوله " بين الضحكة والدمعة / يا دوب شمعة وكلمة لذيذة من حرفين / تجمع شمل كل اتنين عاشوا الحلم واستنوا / إنه في يوم يتحقق " أما في قصيدته "غفوة " فإن المسافة قد اختلف قياسها إذ وقف بنا الشاعر عند قوله " و بين النغمة وبين الآه " ورغم الانعدام الواضح في قياس المسافة بين النغمة وبين الآه باعتبار أن كليهما صوت حتى وإن اخلف رنين احدهما عن الآخر ، نجد أنه لا فرق بينهما وبالتالي ليست هناك مسافة يمكن قياسها إلا أن الشاعر أصر على إدراجها ضمن القصيدة ولو أنه أراد أن يصنع لنا فارقا أو مسافة فاصلة يمكن قياسها لجاء بمفردة تقابل الأخرى أو تكون على تضاد معها تعبر إحداهما عن الفرح والانبساط والأخرى عن الحزن والضيق ، بحيث يظهر الفارق واضحا على شاكلة الشطرة السابقة لتلك الشطرة في قوله " تاهت السكة بين امتا وبين ازاى " ذلك لاختلاف المدلولين بين الزمن في " امتا " وبين الكيفية في " ازاى " رغم كونهما من وجهة نظرنا استفهام كاد ألا يجدى لولا اتيان الشاعر بلفظة " السكة " التى منحت الحدث بعد المكان الذى من خلاله نستطيع أن نجد قياسا لمسافة ما حتى وإن كان قياسا ضمنيا 
وفى قصيدة " دق الجرس " يبلغ القياس منتهاه وتتسع المسافة حتى تصل إلى ما بين السماء والأرض ولا يملك الشاعر إلا الدعاء وسيلة للربط بينهما فنجده يقول " باب السما مفتوح بس انت ادعليى وكتر الصلوات " غير أنه إلى جانب أن الصلاة هى الأعم والأشمل والدعاء جزء منها و أن العبد يكون إلى ربه أقرب وهو في وضع السجود نرى أن تقديم لفظ الصلوات على لفظ " ادعيلى " كان أمرا واجبا ولو من بمقتضى العادة كأن يقول " بس انت صلى لى وكتر الدعوات " 
أما في قصيدة قلق فقد كان لغرابة اللفظ حضور بارز في قول الشاعر " وقال لك  اشرب يلا وبلّ " غموض يصعب فهمه ، وكذلك في قوله " قلبى كان عايش نبي / كان برئ / لساه صبى " يرتكز الشاعر على وحدة الزمن فقط لذلك نلاحظ التناقض الواضح بين الشطرين في " كان " التى توحى بالماضي وفى " لساه " التى تدل على الاستمرارية وبقاء الحدث في حال المضارعة  ، وكذلك الحال في قوله " يلا طير واحضن جناحي " وما به من انتفاء حالة الطيران ، وربما حدوث السقوط عند احتضان الأجنحة ، وفى قوله " بس لو الرضاعة / قلت لى معنى الفطام " فالفطام ليس لفظا وحسب ليكون له معنى ، إنما هو فعل محدد أو حدث يلزمه رطنا الزمان و المكان ، وفى قصيدته " بعد يوم الاغتسال " نجده في الشطر الأخير منها يعلن  يعلن توبته " أعلنت توبتى / بعد يوم الاغتسال / القلب مال " غير أن هناك علامة استفهام تفرض نفسها ، هل كان إعلان التوبة بعد يوم الاغتسال أم أن ميل القلب حدث بعد يوم الاغتسال وبعد التوبة أم قبلها ؟ والوصول إلى إجابة ترضى إلى رغبة القارئ يحتاج الشطر إلى حرف فاصل لتحديد زمان الحدث ، وفى قصيدة " إياك تبوح " يستخدم صيغة المخاطب المذكر في قوله " سلسل عواطفك / اقفل عليها " من بداية القصيدة إلى قوله في آخر الشطرة ( صـ 18 ) " وانت يا سمرا بعيد عن الأشواق عن السكة " وقد لوحظ استخدامه صيغة المخاطب المؤنث ، ثم العودة مرة أخرى إلى استخدام صيغة المخاطب المذكر إلى نهاية القصيدة في قوله " إياك تبوح " ، ومن الأمور التى استوقفتني في قصيدة "غفوة " قول الشاعر " طريد الروح هجير الجوف بلا خفافيش " وقد ظننت أنه يقصد بالهجير مشتقا من الهجر أو الابتعاد وكلها بمعنى الغياب ودليلنا في ذلك قوله " بلا خفافيش " و إن كان بالفعل يقصده فقد ابتعد بنا عن المعنى الحقيقى للفظ الهجير لغة وهو : نصف النهار في القيظ خاصة ( انظر المعجم الوجيز صـ 645 ) الذى به يستقيم المعنى واشتد متن القصيدة وقوى مبناها ووصلت لقارئها بشكل أفضل لتناسب الزمن طرديا مع قوله في باقى القصيدة " ساعات الليل بتطوى الحلم " ثم " نور الصبح لا جانى ولا عدى " وبذلك يصبح الترتيب الزمنى الهجير ، ثم الليل ، ثم الصباح ، وفى قصيدة " الصبح جاي " قوله " يروى الغصون " و مخالفته لمقضي الحال وطبيعته إذ أن الذى يروى هو الجذور وليست الأغصان اللهم إلا إذا كان ما يروى به ماء مطر يسقط من السماء فيغسل الأغصان أولا ومنها إلا الجذور ، وأيضا قوله في قصيدة " تعيشي يا أمي منصورة " أحنى الدم في ترابك " نرى الصورة معكوسة لأن الدم هو الذى يسيل في يخضب الأرض بلونه الأحمر الذى يشبه الحناء ، وكذلك قوله " ترويكى من حشا دمى " في قصيدة "حبك فرض " صورة أخرى معكوسة ذلك لأن الدم جزء من الحشا وليس العكس ، والديوان في مجموعه رغم اختلاف المسافات بين متنه وهامشه كعمل أول للشاعر يحفل بالعديد من الصور البيانية والمحسنات البديعية ، كما لا يخلو كأي مطبوع من الأخطاء المطبعية ففى قصيدة " من غير سؤال " فقرة 3 قوله " لكل من صابه الخرص " بالصاد وصحيحها بالسين " الخرس " و أيضا في قصيدة " صحى الحنين " قوله في الشطر قبل الأخير " هتلاقى منبع جزرها عند الرسول " بالزين وصحيحها " جذورها بالذال وأخيرا فإن ترى القارئ أننا وفقنا فبفضل الله وتوفيقه وإن لمس أى تقصير فمنى ومن الشيطان والله ولى التوفيق

مساحة إعلانية