مساحة إعلانية
كتب / صابر جمعة سكر
في أول رد فعل حاد على مشروع قانون التعليم الجديد المقدم من الحكومة إلى البرلمان، في تصريح خاص- لجريدة منبر التحرير -حذّر الدكتور محمد زهران، مؤسس تيار استقلال المعلمين ورئيس لجنة صياغة مواد التعليم في دستور 2014، من أن التعديلات المقترحة تمثل تهديدًا مباشرًا لمجانية التعليم في مصر، مؤكدًا أنها تتعارض بوضوح مع نصوص الدستور، وتُمهّد لتحويل التعليم الثانوي إلى منظومة مدفوعة تُقصي غير القادرين.
ثانوي مهني بلا أفق جامعي
أحد أخطر المواد المقترحة، وفقًا لزهران، هي استحداث نظام "الثانوي المهني" لمدة سنة أو سنتين، دون أن يؤهل للالتحاق بالجامعات أو المعاهد.
ويحذر زهران من أن هذا النظام يحوّل التعليم الفني إلى تدريب مهني محدود لا يؤهل الطالب لاكتساب مهنة حقيقية أو استكمال تعليمه العالي، ما يعد خرقًا لمبدأ تكافؤ الفرص. ويضيف أن الاتجاه الحقيقي هو استبدال التعليم الفني بالتكنولوجي مقابل رسوم، لتُصبح فرص التعليم العالي حكرًا على الطبقات القادرة ماليًا.
برامج برسوم = بوابة للخصخصة
تتيح مادة أخرى في القانون المقترح لرئيس مجلس الوزراء إنشاء نظم دراسية بديلة للثانوية العامة والفنية (مثل البكالوريا) مقابل رسوم تصل إلى 1000 جنيه، ورسوم إعادة لا تتجاوز 500 جنيه لكل مادة، قابلة للمضاعفة.
ويعتبر زهران أن هذا البند يمنح الحكومة السلطة المطلقة لفرض رسوم وخصخصة التعليم من الباب الخلفي، في تجاهل صارخ للمادة (19) من الدستور التي تؤكد على مجانية التعليم الإلزامي حتى نهاية المرحلة الثانوية.
رسوم في التعليم الثانوي.. رغم المجانية الدستورية
وتشمل التعديلات عدة بنود تُقنن فرض رسوم مباشرة في المرحلة الثانوية، منها:
رسوم إعادة الدراسة بعد الرسوب: من 200 إلى 2000 جنيه.
رسوم التعليم الثانوي التكنولوجي: حتى 1000خ جنيه.
رسوم إعادة الامتحانات: 500 جنيه لكل مادة (قابلة للمضاعفة).
رسوم تقييم المدارس التكنولوجية: حتى 200 جنيه، بقرار من الوزير.
ويرى زهران أن فرض هذه الرسوم يُعد خرقًا دستوريًا صريحًا، إذ أن هذه المرحلة يجب أن تكون مجانية بموجب القانون الأساسي للبلاد.
تغيير المسميات.. وتحويل المجاني إلى مدفوع
تقترح التعديلات تغيير مسمى التعليم الفني إلى:
"التعليم الثانوي الفني والتقني التكنولوجي" (ثلاث سنوات).
"التعليم التكنولوجي المتقدم" (خمس سنوات).
ويؤكد زهران أن الهدف من هذه التغييرات هو تمرير فرض المصروفات على التعليم الفني، وتحويله إلى مسار تجاري، بينما يُقصى من لا يستطيع الدفع إلى التعليم المهني المحدود، وبالتالي يُحرم من أي فرصة تعليمية عليا.
تناقض فج: المجانية في المادة الأولى... والرسوم في التفاصيل
يشير زهران إلى أن أول مادة في التعديلات تنص على مجانية التعليم حتى نهاية الثانوية، تنفيذًا للمادة (19) من الدستور، إلا أن المواد التالية تفنّد هذا المبدأ بفرض رسوم في صور متعددة، ما يُعد تناقضًا صريحًا ومخالفًا للدستور.
مادة إيجابية: تعزيز الهوية الوطنية
يرحب زهران بأحد البنود التي تنص على اعتبار اللغة العربية والتربية الدينية والتاريخ الوطني مواد أساسية في جميع المراحل التعليمية، تنفيذًا للمادة (24) من الدستور، مؤكدًا أهمية هذا التوجه في تعزيز الهوية الثقافية والوطنية للطلاب، داعيًا إلى طرحها في نقاش مجتمعي حقيقي.
تمديد عمل المعلمين: خدمة للإدارة أم عبء على المعلمين؟
ينتقد زهران مادة أخرى تسمح للمعلمين بالاستمرار في العمل حتى نهاية العام الدراسي إذا بلغوا سن التقاعد خلاله، مشيرًا إلى أنها تفيد القيادات التعليمية والعاملين في الكنترولات، لكنها تشكل عبئًا إضافيًا على المعلمين في ظل ظروفهم الصحية والإدارية، مطالبًا بأن يكون التمديد اختياريًا لا إجباريًا.
تجاهل تام لنصوص دستورية أساسية
اتهم زهران مشروع القانون بتجاهل عدد من المواد الدستورية المهمة:
المادة 19: تُلزم الدولة بمجانية التعليم حتى نهاية الثانوية وتخصيص 4% من الناتج القومي له، بينما النسبة الحالية لا تتجاوز 2%، وكان الأجدر أن تسعى الحكومة لزيادتها لا فرض رسوم جديدة.
المادة 20: تُلزم الدولة بدعم التعليم الفني والتقني مجانًا والتوسع فيه، فيما تسير التعديلات عكس هذا الاتجاه تمامًا.
المادة 22: تنص على رعاية المعلمين ماديًا ومهنيًا وعلميًا، إلا أن التعديلات تغافلت تمامًا حقوق المعلم، رغم كونه حجر الزاوية في أي إصلاح تعليمي.
أسئلة حائرة... ومخاوف مشروعة
اختتم زهران تصريحاته بعدد من التساؤلات التي تعكس القلق المشروع من تمرير هذه التعديلات:
هل وافق مجلس الشيوخ بالفعل على هذه المواد؟
لماذا تُطرح التعديلات في الأيام الأخيرة من عمر البرلمان؟
أين النقاش المجتمعي الواسع؟
هل هناك نية مبيتة لتمريرها في صمت وفرضها كأمر واقع دون توافق شعبي أو نقابي؟
دعوة لوقف التعديلات وفتح حوار وطني
دعا الدكتور محمد زهران إلى وقف مناقشة مشروع القانون فورًا، وفتح حوار وطني شامل حول مستقبل التعليم في مصر، مشددًا على أن أي إصلاح حقيقي يبدأ من التمسك بالدستور وضمان عدالة الفرص التعليمية لجميع المواطنين دون تمييز أو إقصاء مالي.