مساحة إعلانية
كتب / صابر جمعة سكر
حذّر الدكتور عباس شراقي، أستاذ الجيولوجيا والموارد المائية بجامعة القاهرة، من مغبة الانخداع بتصريحات رئيس الوزراء الإثيوبي آبي أحمد بشأن اكتمال سد النهضة، مؤكدًا أن المشروع، ورغم الانتهاء من أعماله الخرسانية، لا يزال بعيدًا عن الجاهزية الفنية الكاملة، ويُشكّل تهديدًا مائيًا خطيرًا في بيئة جيولوجية هشّة، في ظل غياب أي اتفاق قانوني مُلزِم يُنظّم قواعد الملء والتشغيل.
اكتمال جزئي وتوربينات غير مُفعّلة
وقال شراقي إن إعلان إثيوبيا عن اكتمال السد لا يعكس الواقع الفني، إذ لم يُركّب حتى الآن سوى 6 توربينات فقط من أصل 13، تم تشغيل بعضها تجريبيًا خلال فترات متفاوتة بين عامي 2022 و2025، بينما أكدت صور الأقمار الصناعية خروج المياه من أحواض التهدئة، وهو ما يعني أن السد لم يدخل بعد حيّز التشغيل الكامل. "الحديث عن سد جاهز للافتتاح أمر دعائي بحت، يخاطب الداخل الإثيوبي أكثر من كونه يعكس الحقيقة على الأرض"، على حد قوله.
مشروع بلا توافق.. ودعوة استفزازية
ووصف الدكتور شراقي الدعوة الإثيوبية لمصر والسودان لحضور احتفال افتتاح السد بـ"الاستفزازية"، مضيفًا: "كيف يمكن لدولتين اعترضتا على كل خطوة أُنجزت بشكل أحادي، أن تحتفلا بثمرة غابت عنها الشفافية والمشاركة؟ كان من الأولى التوصل إلى اتفاق قانوني يراعي الحقوق التاريخية لدول المصب، ليتحوّل السد بالفعل إلى مشروع إقليمي للتنمية، لا إلى بؤرة صراع".
تضخيم مريب للسعة التخزينية.. ومخاوف جيولوجية
وأشار شراقي إلى أن سد النهضة خالف دراسات التصميم الأصلية، إذ ارتفعت سعته التخزينية من 11.1 مليار متر مكعب إلى 64 مليار متر مكعب، في بيئة يعاني فيها النيل الأزرق من الزلازل والفوالق الأرضية والفيضانات الموسمية. وقال: "الزيادة الضخمة في حجم التخزين تجعل السد أشبه بقنبلة مائية موقوتة، تهدد السودان أولًا ثم مصر، خاصة مع غياب آلية مشتركة لإدارة الأزمات أو الطوارئ".
تكلفة باهظة لمصر.. وضرر فعلي على المواطن
وأوضح شراقي أن مصر، نتيجة الملء الأحادي للسد، اضطرت إلى اتخاذ حزمة من الإجراءات المكلفة لتقليل الضرر على المواطن، بلغت تكلفتها أكثر من 500 مليار جنيه، شملت التوسع في معالجة مياه الصرف الزراعي، وتبطين الترع، وتخفيض زراعة المحاصيل كثيفة الاستهلاك للمياه مثل الأرز. وأضاف: "هذه السياسات ليست اختيارًا، بل فرضتها خطوات إثيوبيا الأحادية، التي لم تراعِ ضرورات الأمن المائي المصري".
مصر لم تعرقل السد.. بل طالبت فقط بالتوافق
ورفض شراقي اتهامات آبي أحمد بأن مصر سعت لعرقلة المشروع، مؤكدًا أن القاهرة لم تتخذ أي إجراء يعوق بناء السد أو تشغيله، بل لجأت إلى المحافل الدولية مثل مجلس الأمن والاتحاد الأفريقي مطالبة فقط باتفاق قانوني مُلزِم. وقال: "ما تريده مصر ليس إيقاف السد، بل ضمان تشغيله بطريقة عادلة ومتفق عليها".
المفاوضات ضرورة حياة.. لا خيار رفاهية
واختتم الدكتور عباس شراقي تصريحه بالتأكيد على أن العودة إلى المفاوضات تمثل ضرورة وجودية لا تحتمل التأجيل. فالسد، سواء في طور التشغيل أو التخزين أو إعادة الملء، يحتاج إلى تنسيق مستمر بين مصر والسودان وإثيوبيا، لتفادي الانهيارات، أو تقليص تأثيرات الجفاف، أو تأمين الحصص المائية. مضيفًا: "الأمر لا يتعلق فقط بالسياسة، بل بمصير الشعوب، وحياة الملايين في وادي النيل".