مساحة إعلانية

مساحة إعلانية

منبر

المبدعون

الوجهة البعيدة - قصة قصيرة

2023-08-02 19:09:40 - 
الوجهة البعيدة  - قصة قصيرة
الاديبة فاطمة علام

فاطمة علام
كاد يتعثر مرارًا وهو يواصل صعود الدرج المظلم، تتعالى نبضاته في ثورة عنيفة كأن قلبه يود القفز من بين ضلوعه، لا تسعفه إضاءة كشاف الهاتف الخافتة؛ لتحميه من التعثر، أو ليرى خلالها شيئًا بين الصور المهتزة بشدة أمام مقلتيه الجاحظتين. بعد محاولات عسيرة تشبث المفتاح أخيرًا بالباب يحتمي به من اهتزازات اليد المرتجفة التي تحمله فيما أشبه بزلزال عنيف لا يحتمله الجسم المعدني الصغير. نفذت طاقة الكشاف؛ فلم تعد لديه قدرة لإنقاذ صاحبنا من التعثر. وقد أصبح في وجهته الآن يكاد يفقد أنفاسه، تدور به البقعة المجهولة تكاد تسقطه حتى ظهر وجهه مضيئًا تلتمع فوقه قطرات العرق الغزير، وأمام المرآة ذاتها كانت كتلة بشرية تبدو هي مصدر الضوء الخافت، وبحشرجة بالكاد يخرجها في وهن:
- م...م..مَنْ أنت؟
لا صوت يجيب، ولكن الضوء الأبيض كسر الصمت مجيبًا....
-أأ.... أنت؟!!
وانطفأت جميع الأضواء.... كان ما زال وجهه مبتلاً بعض الشيء، وهو يفتح عينه في إرهاق، ثم يدفع بجسده في اضطراب، ملتفتًا حوله يستفسر؛ ويرى الوجه ذاته.
- من أنت!!
ـ أنسيت أخاك؟!
- لكنك لست هنا..لست هنا..إنك...إنك...
ــ أنا هناك بجوار أبيك وجدك، ألست كذلك؟
باكيًا قال:
- كلا...

ــ ولكنك جئت لتراني وكنت فى انتظارك.
- نعم، ولكن كيف؟!
ــ ألا تذكر ؟!
والتفت للمرآة والتفت معه، فإذا به يرى حطامًا وأناسًا يركضون ويصرخون هنا وهناك، بينما يداهمه صداع يكاد يحطم رأسه؛ وهو مغمض العينين يضغط بكفيه على جانبي رأسه بقوة، والألم يشتد به.
-لا لا لا أذكر شيئًا 
ــ بل تذكر كل شيء
-لاااااااا (قالها ببكاء)
ــ لما جئت اليوم؟!
همس بوهن:
ــ لا أعرف!
ربت أخوه على كتفه فلم يشعر بيده قط، لكنه سمعه يهمس إليه بحنو:
-لا تأتِ هنا يا عزيزي...لا تأت هنا؛ فلن تحتمل اللقاء.
لا يذكر شيئًا غير أن رأسه ما زال يؤلمه، وبين أصابعه يلتمع المفتاح ويحتضنه الضوء من كل الجهات، تبدو وجهته بعيدة رغم قربها والهمسات ذاتها تتكرر برأسه: لن تحتمل اللقاء...لن تحتمل اللقاء.

مساحة إعلانية